نجحت مصر في استعادة مكانتها في المشهد الدولي كقوة لا يستهان بها، حيث كانت حاضرة بقوة خلال القمة العربية الصينية التي احتضنتها الرياض قبل ايام ومن بعدها لقاء القمة الامريكية الافريقية وانعقاد لقاءات ثنائية بين الرئيسين المصري والامريكي، خلافًا لكل التوقعات مع بداية حكم الرئيس الامريكي جو بايدن، وفي التقرير التالي نستعرض الإجابة الاهم عن السؤال الذي يجول في رأس المواطنين، كيف استعادت مصر مكانتها الدولية خلال السنوات الثمانية الاخيرة؟.
تأتي البداية من العلاقات المصرية بشركائها في اسيا، حيث شهدت زخمًا كبيرا يقوم علي أساس تبادل المصالح، وأصبحت العلاقة بين مصر وروسيا منذ عام 2013 وصاعدا دافئة بشكل متزايد وتم توقيع العديد من صفقات الأسلحة التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات وأعيد تنشيط اللجنة المشتركة السابقة للحوار والمشاورات المعروفة باسم آلية 2+2، كما اقامت مصر شركات اقتصادية وسياسية وعسكرية مع العديد من الدول الأوروبية علي رأسها فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة.
وشهد عام 2020 تأسيس مصر لمنتدي الشرق المتوسط كمنظمة أقليمية مقرها القاهرة وهي المنظمة التي استحوذت علي الاهتمام الدولي وتقدمت العديد من الدول الكبري لكي تنضم إليها.
مكاسب مصر من القمة الامريكية الافريقية
حققت مصر العديد من المكاسب السياسية والاقتصادية من هذه المشاركة، سواء فى إطار العلاقات المصرية الأمريكية، أو من حيث التقارب الأمريكي الأفريقي؛ وهو ما سينعكس علي مستقبل القارة الأفريقية، في طل الظروف والتحديات الصعبة التي يمر بها العالم، بسبب الجوائح العالمية، والأزمة الروسية الأوكرانية، التي ألقت بظلالها وأثرت على امدادات الطاقة والغذاء.
وتأتى أهمية مشاركة الرئيس السيسي، في ظل تبني مصر سياسات منفتحة على كافة دول العالم، بحثًا عن مصالح ورفاهية واستقرار الدول والشعوب، أخذًا فى الاعتبار ما تمر به منطقة الشرق الأوسط من تحديات عصفت بأمنها وهددت عددًا من دولها، الأمر اذي أثر بالطبع علي السلام والاستقرار فى المنطقة، ووصلت تهديداته وآثاره إلى مختلف دول العالم.
وفي ضوء المكتسبات التي تحققت من انعقاد المؤتمر السابع والعشرين للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP27) فى مدينة شرم الشيخ نوفمبر الماضى، فإن مصر سعت جاهدة من خلال هذه القمة إلي حث الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمي بتنفيذ التعهدات السابقة لدعم الدول الأفريقية فيما يتعلق بالتغيرات المناخية؛ خاصة أن القمة الأمريكية الأفريقية تأتي في وقت يمر به العالم بلحظة استثنائية تشهد ظروفًا غاية في الدقة، وبعد مرور ثمانية أعوام على انعقاد النسخة الأولى لهذا المُلتقي، وهي الفترة التي شهدت تغيرات كبرى وتحديات عديدة، وبما يحمل دلالة واضحة على تجديد العزم على تطوير الشراكة بين أفريقيا والولايات المُتحدة الأمريكية، بما يساعد على إيجاد حلول ترفع عن الشعوب عبء الأزمات المُتتالية، وتُسهم في تأمين مستقبل أفضل لهم.
وفى رؤية مصر التى اشتملت على خمس محاور، لتعزيز الأمن الغذائي فى أفريقيا، أشار الرئيس السيسى، إلى أن تحقيق الأمن الغذائي يرتبط بجهود التكيّف المناخي، لافتًا إلى مخرجات قمة المناخ التي استضافتها مصر، حيث أطلقت مصر عدداً من المبادرات في مجال تمويل التكيف، ومنها إنشاء مركز القاهرة للتعلم والتميز حول التكيف والصمود بالتعاون مع الجانب الأمريكي، بالإضافة لمبادرة “الغذاء والزراعة من أجل التحول المستدام” (فاست) مع منظمة الأغذية والزراعة (فاو).
وفي هذا الصدد، أشار الرئيس السيسى إلى إيلاء أهمية خاصة لمحور الوفاء بالالتزامات بالتأكيد على التزام الدول المتقدمة بتوفير تمويل 100 مليار دولار سنوياً لمواجهة تغير المناخ، كما نجح المؤتمر في إنشاء – ولأول مرة- صندوق لتمويل الدول النامية لتجاوز خسائر وأضرار تغير المناخ، معربًا عن تطلعه إلى بدء مسار تفعيل الصندوق بما في ذلك هيكله التمويلي.
الإحصاءات الدولية تضعنا أمام مسئولياتنا، إذ تُشير إلى زيادة عدد من يعانون من ضعف الأمن الغذائي حول العالم إلى 800 مليون شخص عام 2022 بزيادة 150 مليون عن عام 2019، وتُعد أفريقيا مصدراً لما يزيد عن ثلث هذا الرقم وهنا، يتعين التساؤل؛ كيف لقارة كأفريقيا ألا تنتج غذائها؟ وكيف لأمة لا تنتج غذائها أن تجنى ثماراً للتنمية الاقتصادية، أو تؤمن استقراراً لبناء المستقبل، هكذا وضع الرئيس السيسي الدول الكبري أمام مسئولياتها تجاه القارة الأفريقية، التي لا ذنب لها فيما يشهده العالم من تقلبات، خصوصًا أنها بعيدة كل البعد عن تصدير الأزمات والتأثير المناخي علي الكوكب.
اللافت فى الرؤية المصرية أيضًا، ما أشار إليه الرئيس من استعداد مصر لتُشارك تجربتها مع أشقائها الأفارقة، بما في ذلك الإجراءات التي تم اتخاذها لتعزيز أمن مصر الغذائي، ومنها إطلاق مبادرة المليون ونصف مليون فدان لزيادة الرقعة الزراعية، والمشروع القومي للصوامع والذي أدى لزيادة القدرة التخزينية للحبوب بأكثر من الضعف، ولم تغفل مصر عن أن يتم تنفيذ ذلك بالسبل الأكثر كفاءة في استخدام المياه، عبر صياغة خطة 2050 لتطوير قدرات تحلية مياه، بجانب كون مصر من أكبر الدول التي تقوم بعمليات المعالجة للمياه؛،داعيًا الولايات المتحدة إلى استثمار ثقلها الاقتصادي للقيام بتعزيز آليات الاستجابة لأزمة الغذاء، لاسيما التحالف العالمي للأمن الغذائي التابع لمجموعة السبع، ومجموعة الاستجابة للأزمات العالمية حول الغذاء والطاقة والتمويل التابعة للأمم المُتحدة،
ودعا الرئيس السيسي إلى تخفيف أعباء الديون عن الدول الأكثر تضرراً، إذ وصلت معدلات ديون الدول النامية لمستويات خطيرة جاوزت 250% من إيراداتها، ويتطلب الأمر إجراءات عاجلة ومنها إعفاء الدول النامية من نسب مُقدرة من ديونها، واستمرار تفعيل مبادرة مجموعة العشرين لتعليق الديون، بجانب صياغة آليات لتحويل الديون إلى استثمارات. كما أشار إلى مسئولية لمؤسسات التمويلية الدولية تجاه تيسير حصول الدول النامية على تمويل مستدام، وتيسير شروط الإقراض لتتلائم مع طبيعة اقتصاداتنا، وصياغة برامج طارئة لتحفيز النمو وخلق شبكة ضمان اجتماعي للحفاظ على التماسك المجتمعي لدولنا، بالاضافة إلى وضع آليات لتيسير الحركة لزيادة المعروض وخفض الأسعار.
وطالب الرئيس السيسى، بضرورة الحفاظ على انفتاح حركة التجارة العالمية، حيث إن اتفاقية التجارة الحرة الأفريقية توفر إطاراً لتعزيز التكامل بين دول القارة، معربًا عن أمله في دعم الدول الكبرى لدول القارة لتعظيم الاستفادة منها بالاستثمار في البنية التحتية والمشروعات الزراعية،
وفى رسالة مباشرة، أكد الرئيس السيسي على الارتباط الوثيق بين الأمنين الغذائي والمائي، ومصر تنظر لهذا الرابط باعتباره أمناً قومياً، بما يحتم توافر الإرادة السياسية لصياغة أطر قانونية لضبط مسار التعاون بين الدول التي تتشارك الموارد المائية وبما يسهم في تحقيق التنمية دون إلحاق ضرر ذي شأن.
لم تنته رسائل الرئيس السيسي، عند هذه الرؤية، واتسم حواره مع ممثلو قطاع الأعمال الأمريكي، بالترويج للمشروعات القومية في مصر، والتأكيد على مناخ الاستثمار الجاذب وتذليل العقبات أمام المستثمرين، وفي المقابل كانت هناك إشادات من جانب مجتمع الأعمال الأمريكي بجهود مصر التنموية الطموحة ومشروعاتها اللافتة، وانعكاس ذلك كله على بيئة الاستثمار وجذب المستثمرين.
جاء ذلك خلال مشاركة الرئيس السيسي في واشنطن في مأدبة العشاء التي أقامتها غرفة التجارة الأمريكية على شرفه، وذلك بمناسبة مرور 100 عام على تأسيس العلاقات بين مصر والولايات المتحدة، وبحضور كلٍ من سوزان كلارك الرئيس التنفيذي للغرفة التجارية الأمريكية، وجون كريستمان رئيس مجلس الأعمال المصري الأمريكي، بالإضافة إلى رؤساء ومديري العديد من كبري الشركات الأمريكية.
وخلال الحوار المفتوح بين الجانبين، كان تأكيد الرئيس السيسي اعتزام مصر مواصلة جهود الإصلاح والتطوير فى ظل تنفيذ رؤية مصر لتحقيق التنمية المستدامة 2030، مشددًا على تقدير مصر للعلاقة الاستراتيجية الخاصة مع الولايات المتحدة، والترحيب في هذا الصدد بتزايد نشاط الشركات الأمريكية العاملة في مصر.
واستثمر الرئيس السيسي نجاح قمة شرم الشيخ، ليس فقط على مستوي مباحثاته الرسمية مع المسئولية الأمريكيين، ولكن من خلال حواره أيضًا مع مجتمع الأعمال الأمريكي، حين أشار إلى أن مخرجات قمة المناخ بشرم الشيخ تفتح آفاقاً واسعة للتعاون بين الجانبين في مجالات متعددة، خاصةً في مجال الطاقة النظيفة والمتجددة، حيث تقدم مصر العديد من الحوافز للشركات الدولية من أجل الاستثمار في طاقة الرياح والطاقة الشمسية والهيدروجين الأخضر في إطار الجهود المصرية للتحول إلى مركز إقليمي للطاقة في المنطقة، مؤكداً على تطلع مصر إلى اغتنام الشركات الأمريكية لتلك الفرص الاستثمارية المتاحة لتعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين الصديقين.
حوار الرئيس السيسي مع مجتمع الأعمال الأمريكي، كان بناءً للغاية، ومن خلاله بدا واضحًا حرص الجانب الأمريكي علي تدعيم أواصر العلاقات مع مصر، ليس على المستوي السياسي فقط، ولكن على المستوي الاقتصادي والاستثماري أيضًا وبكل قوة.
لقد انعكست ثقة الجانب الأمريكي فى مصر، فى كافة المجالات، على نظرتهم المتفائلة تجاه التقدم المحرز في إطار جهود الإصلاح الاقتصادي في مصر، لاسيما من خلال التدابير التي تم اتخاذها لتحسين بيئة الاستثمار وتشجيعه، فضلاً عن المشروعات القومية الكبرى الجاري تنفيذها، والتي أسهمت في أن تكون مصر نموذجاً وقصة نجاح يحتذى بها على الصعيد الدولي، خاصةً في ظل الصمود الذي أبداه الاقتصاد المصري في مواجهة الأزمات العالمية المتلاحقة مؤخراً، وعلى رأسها جائحة كورونا والأزمة الروسية الأوكرانية، وتحقيقه نمواً إيجابياً فاق التوقعات وتفوق على العديد من الاقتصادات الناشئة على مستوى العالم.
ليس ما سبق فقط، بل إن الشركات ورجال الأعمال والمستثمرين الأمريكيين، أعربوا عن حرصهم على العمل خلال الفترة المقبلة على تعزيز الاستثمارات الأمريكية في مصر في مختلف المجالات، لاسيما الصحة والتكنولوجيا والسياحة، إلى جانب مجال الطاقة خاصة الجديدة والمتجددة، وذلك في ظل القيادة الناجحة لمصر لعمل المناخ الدولي بعد استضافتها الناجحة للقمة العالمية للمناخ COP27 بشرم الشيخ في نوفمبر الماضي.
إن المباحثات المثمرة التي أجراها الرئيس السيسى خلال زيارته إلى واشنطن مع عدد من المسئولين الأمريكيين، على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاستثمارية، ركزت على سبل تطوير العلاقات، والتي ستكون نتائجها على المدي القريب، في ظل رغبة واشنطن فى التأكيد على أن مصر ستظل حليفًا استراتيجيا لها، وأن تطوير التعاون العسكري والأمني والاقتصادي سيكون شعار المرحلة المقبلة، إضافة إلى تعظيم حجم التبادل التجاري بين البلدين وزيادة الأنشطة الاستثمارية للشركات الأمريكية في مصر، خاصةً في ضوء التقدم المحرز على مستوى الإصلاح الاقتصادي الهيكلي وتهيئة البنية التشريعية والمؤسسية لجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية إلى مصر.
مكاسب مصر من القمة الصينية العربية
جاءت “القمة العربية – الصينية للتعاون والتنمية”، التي استضافتها الرياض مؤخرًا بالتزامن مع زيارة الرئيس الصينى شي جين بينج للمملكة، وبمشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسى وعدد من قادة الدول العربية، تعبيرًا واضحًا عن هذا القرار وإعلانًا لتلك الإرادة العربية بتجاوز أى خلافات أو مصالح ضيقة، والوقوف صفًا واحدًا لحجز موقع يليق بتاريخ وإمكانات تلك الدول فى خريطة يُعاد تشكيلها، تحتفظ فيها مصرـ بحكم موقعها الجغرافى وتاريخها الحضارى وثقلها السياسى ـ بالدور المحورى كلاعب رئيس يقود جهود التوازن العربى الشرق أوسطى الإفريقى بين الغرب والشرق في المجالات كافة.
فقد كانت مصر أول من أسس العلاقة بين الصين والعرب فى العصر الحديث، وبالرغم من أن قدم تلك العلاقة التى يعود تاريخها إلى ما قبل ألفى عام ـ كما ورد فى “كتاب هان- سيرة تشانج تشيان”ـ وكان طريق الحرير الذي تسعى الصين حاليًا لإحيائه عبر مبادرة “الحزام والطريق”، هو المسار الذي انتقلت من خلاله الحضارة من الشرق إلى الغرب عبر العالم الإسلامي والصين في العصور الوسطى وهو ما أسهم في تغيير العالم، إلا أن مصر كانت نقطة الانطلاق الأولى فى مسار العلاقات العربية – الصينية، والأفريقية ـ الصينية فى العصر الحديث، حيث كانت أول دولة في الشرق الأوسط تقيم تبادلًا دبلوماسيًا مع الصين منذ عام 1928، وفى سبتمبر عام 1935، افتتحت بكين أول قنصلية لها بمنطقة الشرق الأوسط في القاهرة، كما أن مصر أول دولة عربية وأفريقية اعترفت بالصين الجديدة (جمهورية الصين الشعبية) في الثلاثين من مايو عام 1956.
واستمرت العلاقات فى نمو مطرد، إلى أن كانت نقطة التحول الكبرى فى مسار تلك العلاقة عندما تأسس منتدى التعاون العربي الصيني بالقاهرة فى سبتمبر عام 2004، ليصبح الإطار الجامع للتعاون العربي الصيني بكافة المجالات (السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية)، ومنذ ذلك التاريخ أخذت العلاقات فى النمو بشكل متسارع حتى أصبح هناك حوالى 20 آلية للتعاون، على سبيل المثال مؤتمرات رجال الأعمال واجتماعات وزراء الخارجية والحوار السياسي الإستراتيجي، واستمرت العلاقات فى التنامى خاصة على الصعيد الاقتصادى، يُدلل على ذلك حجم التبادل التجاري بين الصين والمنطقة العربية، حيث ارتفع من 36 مليار دولار فى 2004 إلى 330 مليار دولار عام 2021، فيما بلغ حجم التبادل التجارى بين مصر والصين 20 مليار دولار.
تُعد القمة “العربية ـ الصينية” تدشينًا لمرحلة جديدة في مسيرة الشراكة الاستراتيجية بين الدول العربية والصين، وبداية فصل جديد من تاريخ علاقات التعاون الاقتصادى بين الجانبين، تلعب فيه مصر والسعودية دورًا بارزًا، خاصًة أن رؤية الصين فى التعاون مع المنطقة من خلال مبادرة “الحزام والطريق” أو طريق الحرير الجديد بمشاركة 20 دولة عربية، تتقاطع مع رؤيتى مصر والسعودية 2030 للتنمية.