تعد صناعة ومعالجة المواد الغذائية أحد أهم قطاعات الأعمال التجارية في العالم، وتشمل إنتاج ومعالجة اللحوم والأجبان والبيض وصناعة المشروبات الغازية والأطعمة المعلبة والمعدلة جينيًا وغيرها، كما أنها تعد من أعلى القطاعات المعتمدة على التوظيف المستمر، فهي قائمة على الأيدي العاملة البشرية بشكلٍ كبيرٍ في عمليات التشغيل. ولقد بلغ حجم سوق صناعة المواد الغذائية ما يقارب 6 تريليون دولارٍ أمريكيٍّ في عام 2019م، بزيادةٍ في معدل النمو السنويّ المركبّ بنسبة 5.7% منذ عام 2015م. ومن المتوقع أن يستمر نمو السوق ليصل إلى ما يزيد عن 7.5 تريليون دولارٍ بحلول العام القادم 2023م.
حالات استخدام الذكاء الاصطناعيّ في قطاعي المواد الغذائية والمشروبات
1- تحسين جودة إنتاج الغذاء:
تساعد قدرات الذكاء الاصطناعيّ على اكتشاف الآفات والأمراض التي تصيب النباتات وتحسين صحة التربة، ما يخلق ظروف نموً مثاليةٍ، ويزيد من جودة المحاصيل وكمياتها. فعلى سبيل المثال، تعاون معهد ماساتشوسيتس مع شركة تقنية المعلومات كوغنيزانت لتحديد الظروف الأمثل لزراعة نبات الريحان، حيث درسوا الأشعة فوق البنفسجية والضوء والحرارة وملوحة التربة. وبتجميع هذه البيانات يمكنهم زراعة كمياتٍ ضئيلةٍ من الريحان في بيئةٍ خاضعةٍ للرقابة، ثم زراعة كمياتٍ أكبر بمركباتٍ أعلى تساعدهم في إنتاج نباتات الريحان التي يمكنها مكافحة بعض الأمراض كالسكريّ مثلًا.
2- عمليات التنظيف المعدات وتعقيم خطوط الإنتاج:
من المهم للغاية تنظيف جميع المعدات والآلات المستخدمة في الإنتاج الغذائيّ لتجنب تلوث الطعام ومنع انتقال العدوى، وهو الأمر الذي يستغرق الكثير من الوقت والمال بالاعتماد على القوى البشرية.
لذا بدأ الاعتماد على الذكاء الاصطناعيّ ليوفر الكثير على المنشآت المصنعة، فقد طورت جامعة نوتنغهام نظام التحسين الذاتي والتنظيف في المكان والذي يستخدم التصوير الضوئيّ الفلوريّ والموجات فوق الصوتية لمسح بقايا الطعام في الآلات والمعدات بعد استخدامها، ما يوفر عملية تنظيفٍ أكثر فاعليةً بتقليل كمية المياه المستخدمة بنسبةٍ تتراوح بين 20 إلى 40% وتوفير الوقت بنسبة 50% نظرًا لقدرة هذه التقنية على التنظيف دون الحاجة لتفكيك المعدات.
كما تعد انتهاكات سلامة الأغذية من أكثر البنود التي تؤثر على سمعة المنشآت والتي تكلفها الكثير من المبالغ التي قد تصل غرامتها لملايين الدولارات، ما دفع الشركات لتبني روبوتاتٍ تعتمد على الذكاء الاصطناعي للتقليل من مخاطر تلوث الأغذية. فالروبوتات لا تسرّع الإنتاجية وتزيد الكفاءة فحسب، بل كلما زاد استخدامها في عمليات الإنتاج زادت نسبة تعقيم الآلات. ولقد طور علماء من معهد فرانهوفر لهندسة العمليات والتغليف روبوت جهاز التنظيف المتنقل 4.0 بنسختين، يقوم فيها بتعقيم الأرضيات ومعدات الإنتاج بواسطة تقنيةٍ تعرف بالاستشعار بالفلور للكشف عن أي تلوثٍ. حيث تقوم الحساسات المدمجة باستخدام الذكاء الاصطناعيّ بفص وتقدير كمية التلوث لإجراء عملية التعقيم، ويمكن التحكم بالروبوت عن بعدٍ باستخدام شبكة الواي فاي.
3- إدارة سلاسل التوريد:
إن إدارة سلاسل التوريد بفعالية قصوى هو أحد أهم الأولويات الضرورية لمصنعي الغذاء، إذ تستخدم المنشآت الغذائية خوارزمياتٍ تعتمد على الشبكات العصبية لمراقبة شحنات الأغذية في كل مرحلةٍ من مراحل التوريد. كما أن الذكاء الاصطناعيّ يمكّن المنشآت من إلقاء نظرةٍ عامةٍ أفضل رغم تعقد سلاسل التوريد وتفرعها، ويساعد المنشآت على تجنب الهدر. فعلى سبيل المثال، طورت شركة سي٣ للذكاء الاصطناعيّ تطبيقاً يستخدم الذكاء الاصطناعيّ لتحسين إدارة المخزون، والتي تزود مديري المستودعات بالبيانات بشكلٍ لحظيٍّ حول مستويات المخزون، وتقدم توصياتٍ بشأن التخزين بناء على البيانات المزودة من أوامر الإنتاج والشراء مع مرور الزمن.
4- فرز الأغذية وتغليفها:
يعد ترتيب المنتجات الغذائية في مكانها الصحيح أحد المهام الصعبة التي تستغرق الكثير من الجهد والوقت، لذا يُستخدم الذكاء الاصطناعيّ للقيام بهذه المهام الشاقة، إلا أن تطوير نظامٍ يعتمد على الذكاء الاصطناعيّ لإدارة الفرز والترتيب يعد أمرًا صعباً للغاية نظرًا لاختلاف أشكال وأحجام المنتجات الغذائية. لذا يجب تدريب نظام الذكاء الاصطناعيّ كي يؤدي مهامه بالشكل الصحيح وبدقةٍ عاليةٍ، وأحد هذه الأنظمة هو نظام تومرا، الذي طورته شركةٌ رائدةٌ في مجال فرز الأطعمة وتحمل ذات الاسم، فقد أدى استخدامه إلى تحسين دقة الإنتاج بسرعةٍ وبدقةٍ وصلت إلى 90%، إذ تستخدم كاميرات النظام التحليل الطيفي القريب من الأشعة تحت الحمراء والأشعة السينية والليزر لقياس وتحليل جميع جوانب الخضروات بسرعةٍ عاليةٍ أثناء تحركها.
5- التنبؤ بأنماط الشراء:
يوفر الذكاء الاصطناعيّ للمنشآت فرصة التنبؤ بما يفضله عملاؤها عبر تحليل كمياتٍ هائلةٍ من بياناتهم، مثل طبيعة مشترياتهم والنكهات المفضلة لديهم، ما يمكّن المصنعين من نمذجة التوجهات المستقبلية وتطوير منتجاتها بشكلٍ أسرع، وهو ما سيسهل على الشركات في طرح منتجاتٍ جديدةٍ وبوصفاتٍ مخصصةٍ حسب رغبات الزبائن بسرعةٍ أكبر وتكلفةٍ أقل.
فعلى سبيل المثال، يستخدم فندق سيرز بالاس الذكاء الاصطناعيّ لجمع البيانات عن ضيوفها ومن ثم استخدامها من أجل معرفة رغبات الضيوف وترقية حجوزاتهم وتقديم بعض الوجبات المجانية لكي يحظى الضيف بتجربةٍ رائعةٍ، الأمر الذي يساعدها على التنبؤ بتوجهاتهم المستقبلية واكتسابهم كزبائن دائمين. ومن الشركات السعودية التي تقدم حلولاً في هذا المجال هي شركة كاونت التي طرحت منتجاً يدعى بـ فرويتس360، والذي تعمل على تمكين الشركات العاملة في هذه الصناعة من اتخاذ قراراتٍ تسويقية وتشغيلية بناءً على تحليل بيانات التاريخية، ما يساعدهم على تحسين الكفاءة وتعزيز المبيعات وخفض التكاليف.
6- أنظمة الخدمة الذاتية:
تحظى أنظمة الخدمة الذاتية في المطاعم بشعبيةٍ كبيرةٍ بين العملاء، فهي تساعدهم في عملية طلبهم عبر تزويدهم بالتفاصيل عن طبيعة الطلب وتفضيلاتهم والعناصر المضافة حديثًا، ولقد ساعدت هذه التقنية في التعامل مع مشاكل نقص القوى العاملة والتفاعل مع العملاء وغيرها. ويعد “سيسيليا إي آي” مثالًا على تطبيق الذكاء الاصطناعيّ، فهو نادلٌ ذكيٌّ يقدم مشروباتٍ مع خلطاتٍ مميزةٍ من تلقاء نفسه في أقل من 30 ثانيةٍ، كما أنه يقدم إرشاداتٍ للعملاء حول قائمة المشروبات والمنتجات الجديدة، ويتميز بصغر حجمه ما يجعله مناسبًا للاستخدام في المطاعم، الفنادق، والسفن.
7- الخدمات الآلية:
تستخدم بعض المطاعم حول العالم الروبوتات من أجل تقديم الوجبات الغذائية للعملاء وتجهيز الطعام كإعداد البرجر مثلًا، كما أن الطائرات المسيرة تُستخدم لتوصيل الأطعمة للزبائن بشكلٍ أسرع من القوى البشرية، كروبوت فليبي الذي طورته شركة كاليبرجر والذي يعد أحد أشهر المساعدين الآليين، إذ يمكنه قلب وتجهيز البرجر وصنع البطاطس باستخدام نظام منصة تحليل ميزو الذي يوفر رؤيةً عميقةً لتحسين جودة الطعام والطهي بشكلٍ دقيقٍ وأسرع، فهو قادر على طهي أكثر من 10 آلاف برجرٍ ويقلي أكثر من 12 ألف سلةٍ في الشهر الواحد. إلا أن تبني هذه التقنية ما زال محدودًا في الوقت الراهن نظرًا لزيادة تكلفتها عن الأيدي البشرية والعواقب التنظيمية.
8- نظام ملاحظات العملاء:
تستخدم المطاعم والمقاهي تطبيقاتٍ تعتمد على الذكاء الاصطناعيّ للتنبؤ بعدد ونوع الطلبات الأكثر قبولًا لدى العملاء، بالإضافة إلى تحديد الأطعمة والمشروبات التي تكون مطلوبةً في فترات موسميةٍ معينةٍ، وتحليل حركة العملاء والزوار لاستخلاص تفضيلاتهم الغذائية وشكاويهم. وهو ما يساعد على تأمين المزيد من الطلبات التي يفضلها العملاء، وبالتالي الحفاظ على ولائهم للمطعم أو المقهى. ففي عام 2019م، قامت شركة ماكدونالدز للوجبات السريعة باستخدام الذكاء الاصطناعيّ لتحليل البيانات التاريخية حول طبيعة ما يطلبه الزبائن، وتمكنت من التوقع بأوقات الازدحام.