بعد نكسة 67 وحالة الإنكسار التي خيمت علي الشعب المصري قررت الدولة تجميع قوي الدولة الشاملة وتعبئة الجبهة الداخلية والالتفاف حول هدف واحد هو تحرير الأرض واسترداد الكرامة، وكان خطاب الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، بداية تصحيح المسار، لتبدأ مرحلة إعداد الدولة وتجهيزها للحرب والتي شملت عدة محاور من بينها تهيئة الشعب، وإعداد الأجهزة والمؤسسات، بالإضافة إلي الإعداد السياسي، والاقتصاد الوطني، وإعادة بناء القوات المسلحة، وتجهيز أرض الدولة كمسرح للعمليات، وجاء من بعدها مرحلة الصمود والاستنزاف.
رفعت الدولة في هذا الوقت شعار “من لا يملك قوته لا يملك قرارة” فبدأت شركات القطاع العام في حرب إنتاج حيث دارت عجلة الإنتاج علي مدار الساعة لتوفير احتياجات المعركة واحتياجات الشعب المصرى وقتها، بل والتصدير للخارج لتوفير العملة الصعبة، وكان عدد السكان وقتها 34 مليون مواطن فقط فى أكتوبر 1973، وكانت بيجامات المحلة المقلمة أزرق وبنى فى كل بيت وثلاجات إيديال وسخانات المصانع ومنتجات قها عبر منافذ صيدناوى وبنزايون وعمر أفندى وهانو وبيع المصنوعات.
وقت الحرب لم يتغيب عامل عن شركته أو مصنعه، لم يحصل عامل على إجازة عيد الفطر، الكل كان فى معركته الداخلية تزامناً مع معركة الانتصار.
أجواء الحرب عاشها العمال داخل المصانع، فتحية لكل عامل مصري قرر الوقوف لجانب بلدة في حرب العزة والكرامة، فكانت الورديات داخل المصنع تمتد لثلاث ورديات حتى لا تتوقف الماكينات عن العمل، وبالرجوع الي ارشيف الحرب، سوف نلاحظ الدور بالغ الاهمية الذي بذلته شركات القطاع العام حيث بذلت الشركات جهد قبل وأثناء الحرب لتغذية القوات المسلحة بما تحتاجه فى مجالات الأغذية والملابس، نظراً لما كان يفرض على مصر من إجراءات من بعض دول العالم وقتها، وكانت الشركات تخضع لقانون 48 وليس 203 قانون قطاع الأعمال الحالى، وكانت تبذل جهوداً جبارة بهدف تلبية احتياجات الشعب والجيش تحت شعار “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة .“، وكان القطاع العام يصدر المنتجات الزراعية والغذائية، مثل القطن والخضر والفاكهة للاتحاد السوفيتى ودول أوروبا الشرقية، فى حين كان الاستيراد منصباً على الأسلحة من الاتحاد السوفيتى، لأن الاقتصاد وقتها لم يكن منفتحاً مثل الفترات الحالية.
وكان العمال يواصلون العمل ليل نهار وحتى يوم عيد الفطر، فكانت قواتنا المسلحة تحارب علي الجبهة بينما تحارب شركات القطاع العام في الجبهة الداخلية وكانت شركة المحلة توفر جميع الملابس والتصدير للخارج وكانت شركات الغزل والنسيج في قمة مجدها، وكانت الشركات تعمل علي توفير الكساء، بغض النظر عن الربح، ومع ذلك كانت شركات قها وأدفينا توفر العصائر والمعلبات بأسعار 7 قروش للعبوة، نظراً لضعف الرواتب وقتها، وكانت بدلة المحلة تباع بـ12 جنيها والبدلة التشيكى بـ17 جنيها والقميص بـ3 جنيهات، ناهينا عن شركات الادوية والحديد والصلب والسيارات وكان الجميع مسخر لخدمة المعركة، وهي مجموعة الادوات التي جعلت الدولار يساوي 84 قرش فقط.
ولم تتوقف عملية الإنتاج رغم الحصار الاقتصادي المفروض وقتها فكان البديل التصنيع المحلي لقطع الغيار فكانت الشركات توفر احتياجات الشعب وتقوم بالتصدير.
وفى السياق ذاته قال مسؤول سابق بشركة الحديد والصلب، إن العمل انتظم فى الشركة بنظام 3 ورديات يومياً، وأحياناً كنا نعمل من 7 صباحا إلى 7 مساء للوفاء بكافة الاحتياجات الخاصة بالمصانع الحربية لتلبية احتياجات الجبهة وأيضاً للداخل رغم الصيام والتعب.
وأضاف، أن عدد عمال الشركة كان حوالى 26 ألف عامل، وحالياً نحو 9 آلاف فقط، لافتاً إلى أن الشركة كانت تنتج 1.2 مليون طن سنوياً، وفرنين فقط وليس 4 أفران، حيث كان العمال يفطرون فى الشركة، وبعضهم يطبق الورديات لمضاعفة الإنتاج، فبدلا من العمل 200 ساعة شهرياً كانوا يعملون 300 ساعة، وفى الإجازات أيضاً، وبالتالى كان يحصل هؤلاء العمال على قيمة الحافز مرة ونصف”.