احتوى “تقرير جيلبرت” هذا العام على أرقام مُفزعة وخطيرة، تتطلب سرعة تنفيذ توصيات منظمة العمل الدولية ببناء تحالف عالمي من أجل العدالة والحماية الاجتماعية لمواجهة كافة التحديات التي تواجه عالم العمل جراء التحديات الراهنة التي تُهدد العالم أجمع، حيث يرى أن تفاقم انعدام الأمن الاقتصادي المُتزايد بسبب أجندة سياسات دولية وتحديات راهنة، تركت أكثر من 4 مليارات شخص حول العالم مُستبعدين من أى شكل من أشكال الحماية الاجتماعية، وليست لديهم إمكانية الوصول إلى مزايا الرعاية الصحية، ولا دعم يُساعدهم في إطعام أطفالهم وكِسوتهم ورعايتهم، ولا يحصلون على دخل فى شيخوختهم، أو في أثناء فترات البطالة.
ويوضح التقرير، أن عدد العاطلين عن العمل على مستوى العالم وصل إلى 207 ملايين شخص، وهناك 685 مليون شخص يعيشون في فقر مدقع معظمهم من أفريقيا، و160 مليون طفل عامل، داعيا إلى أهمية تشكيل تحالف عالمي لمواجهة تلك التحديات التي تواجه عالم العمل، مناشدا بلدان العالم إلى توفير الحماية الاجتماعية والعمل اللائق، كما رصد ما يتعرض له العمال العرب في الأراضي العربية المُحتلة بفلسطين وجنوب لبنان، وجولان سورية.
اعتراف
واعترف التقرير نصاً بأن العالم يواجه تحديات لا حصر لها حيثُ ساهمت التنمية الاجتماعية والاقتصادية إلى حد ما في زيادة متوسط مستويات المعيشة وزيادة الفرص في جميع أنحاء العالم، ولكن في الوقت نفسه تزايدت المخاوف في العقود الأخيرة بشأن تزايد عدم المساواة الاقتصادية داخل العديد من البلدان، ولكن ما هو مفهوم العدالة الإجتماعية التي يتحدث عنها هذا المؤتمر الدولي، وما هو الدور الذي يجب أن يقوم به ذلك التحالف العالمي لمواجهة تحديات سوق العمل العالمي الذي يعاني البطالة وضعف الأجور وغياب الحماية الإجتماعية؟
العدالة
يرى التقرير الدولي، أنه يمكن وصف العدالة الاجتماعية على نطاق واسع بأنها ذات أربعة أبعاد:
– البُعد الأول: يشمل حقوق الإنسان العالمية وقدراته وتشمل الوصول إلى مستوى معيشي لائق والتعليم الحقيقي، والرعاية الصحية والضمان الاجتماعي وهي تشمل أيضاً حرية تكوين الجمعيات التي توفر أُسس المشاركة الديمقراطية والحوار الاجتماعي.
– البُعد الثاني: يتعلق بالمساواة في الحصول على فرص العمل والنشاط الإنتاجي التي تمكن الناس من السعي وراء رفاهيتهم المادية في ظروف الأمن الاقتصادي.
– البُعد الثالث: يشمل المفهوم الأوسع للتوزيع العادل وهي تهتم بالإنصاف في نتائج التوزيع بما في ذلك حصة عادلة من فوائد النمو الاقتصادي مع الاهتمام بالأكثر حرمانًا أو ضعفًا في المجتمع.
– البُعد الرابع: يتعلق بالتحولات العادلة ويرصد هذا البعد الطريقة التي تُؤثر بها التحولات الكبيرة على رفاهية الناس بمرور الوقت وهذا يشمل التحولات المرتبطة بالعولمة والتحولات التكنولوجية والديموغرافية والبيئية وغيرها من التحولات والأزمات المتفاقمة.
العمل اللائق
بحسب التقرير الدولي، فإن النهوض بالعدالة الاجتماعية يكون من خلال العمل اللائق، حيث أن برنامج العمل اللائق على النحو المنصوص عليه في إعلان منظمة العمل الدولية بصيغته المعدلة في عام 2008 بشأن العدالة الاجتماعية من أجل عولمة عادلة، وبصيغته المعدلة في عام 2022 يحدد مجموعة واضحة من الأهداف لتلبية التطلع العالمي للعدالة الاجتماعية وهو يوفر إطاراً معيارياً للحصول على حقوق التمكين والاستحقاقات للقدرات الأخرى ويعزز الحوار الاجتماعي في هذا الوقت الخطير والحرج.
وهنا يطرح التقرير الدولي تساؤلات مهمة ومن بينها:”هل وصل العالم إلى منعطف حرج؟، وأجاب:”يواجه العالم تحديات لا حصر لها حيثُ ساهمت التنمية الاجتماعية والاقتصادية في زيادة متوسط مستويات المعيشة وزيادة الفرص في جميع أنحاء العالم، وفي الوقت نفسه تزايدت المخاوف في العقود الأخيرة بشأن تزايد عدم المساواة الاقتصادية داخل العديد من البلدان واتساع التفاوت بين الثروة الهائلة التي تراكمت لدى أغنى 1% من السكان.
وأشار التقرير، إلى انتشار انعدام الأمن في سوق العمل، وقال :”يظل توفر العمل اللائق الوسيلة الأساسية لتأمين الوفاء المادي وتحسين مستويات المعيشة حيثُ أن الحصول على وظيفة لائقة يُمّكن الناس من العمل بكرامة ويعزز الاندماج الإجتماعى، مع العلم بأن عدد العاطلين عن العمل على مستوى العالم بنحو 207 مليون شخص، لذلك فإن عدم الوصول الى فرص العمل له آثار سلبية على الشباب.
كما رصد التقرير عدم المساواة وقال إنه “مرتفع ومتصاعد”، متابعا:”تتعلق مسألة عدم المساواة بانعدام الأمن في سوق العمل وتتجلى المستويات العالية من عدم المساواة التي تميز اقتصاداتنا ومجتمعاتنا بعدة طرق بما في ذلك الدخل وفرص المشاركة في سوق العمل والوصول إلى الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم.
وفي هذا الصدد، تستمر الممارسات التمييزية حول العالم في استبعاد النساء والفئات المهمشة من فرص سوق العمل مما يؤدي إلى عدم المساواة في المعاملة والنتائج حيثُ إن المقدار غير المتناسب من الوقت الذي تستثمره النساء في أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر يكمن وراء انخفاض معدلات مشاركة الإناث في القوى العاملة.
وتابع التقرير أيضا:”هناك طرق لتعزيز السياسات والمؤسسات التي تجعل المجتمعات شاملة لتوجيه الاستثمار إلى حيث تكون العوائد الاقتصادية والاجتماعية أعظم ولتقديم المنافع العامة الأساسية والحماية الإجتماعية، وهناك طرق لإستعادة الثقة في المؤسسات العامة من خلال الحوار الاجتماعي والحوكمة الفعالة والشاملة والازدهار المشترك، بحسب التقرير.
تحالف دولي
يعتبر “التقرير الدولي” تشكيل تحالُف عالمي من أجل العدالة الاجتماعية طوق النجاة لإنقاذ “عالم العمل العالمي” من التحديات الراهنة، ويرى أن السعي لتحقيق العدالة الاجتماعية هو سبب وجود منظمة العمل الدولية ومع ذلك فإن قدرة منظمة العمل الدولية على النهوض بالعدالة الإجتماعية مقيدة بسبب الأزمات المتفاقمة والإستثمار غير الكافي في التنمية الإجتماعية ومن شأن التحالف العالمي من أجل العدالة الاجتماعية أن يرفع من شأن العدالة الاجتماعية كضرورة حتمية للسياسة العالمية ويتطلب تعاوناً متعدد الأطراف في السياسات وسيكون بمثابة حافز وقناة لبدء أو تسريع العمل في مجالات السياسة، ويغرس العدالة الاجتماعية من خلال المناصرة وحوار السياسات، وسيوفر التحالف العالمي للعدالة الاجتماعية إطارًا يمكن من خلاله للهيئات المكونة لمنظمة العمل الدولية أن تتجمع مع مجموعة واسعة من أصحاب المصلحة المهتمين لزيادة العمل العالمي والإقليمي والوطني للنهوض بالعدالة الاجتماعية للجميع والدعوة إلى إعطاء الأولوية للعدالة الاجتماعية في صنع السياسات واتخاذ القرارات على جميع المستويات على أساس الحوار الاجتماعي وضرورة زيادة الاستثمار.
كما ستدعم دعوة التحالف العالمي وحوار السياسة من خلال قاعدة معرفية موثوقة، ويقدم التقرير صورة محدثة عن حالة العدالة الاجتماعية في العالم ويركز على الموضوعات ذات الصلة ويسلط الضوء على نُهج السياسات المبتكرة والتحويلية بشكل خاص للنهوض بحقوق الإنسان وقدراته وتأمين الوصول المتكافئ إلى فرص العمل والنشاط الإنتاجي وضمان التوزيع العادل.
مفتاح التنمية
يعود التقرير، إلى تسليط الضوء على أهمية العمل اللائق، وبيئة العمل الصحية والآمنة، والأمان الوظيفي، ويقول التقرير إن العمل اللائق هو مفتاح التنمية المستدامة في حين تم دمج برنامج العمل اللائق بالكامل في النظام متعدد الأطراف في الهدف 8 من أهداف التنمية المستدامة ويمثل التحالف العالمي من أجل العدالة الاجتماعية فرصة مهمة لدمج الهيكل الثلاثي والحوار الاجتماعي بشكل أكثر ثباتًا في تعددية شبكية، وتنسيق السياسات الدولية لزيادة اتساق السياسات، والتنسيق من أجل زيادة اتساق السياسات على الصعيدين الدولي والوطني قد يشمل ذلك: مشاركة في الضمانات الاجتماعية في مشاريع الاستثمار والتنمية العمل المشترك لتحديد خيارات لتوسيع الحيز المالي للتوظيف الكامل وإنشاء أرضية للحماية الاجتماعية بناءً على التجارب التجريبية لمنظمة العمل الدولية ،والحوار مع الهيئات المكونة الثلاثية لمنظمة العمل الدولية بشأن الأطر المستدامة اجتماعيا لإعادة هيكلة الديون، وإعادة تنشيط الهيكل الثلاثي لعقد اجتماعي مُتجدد.
وينتهي التقرير بالقول:”نحن نعيش فى زمن يتسم بتفاقم الأزمات بحيثُ تكشف كل أزمة عن نقاط ضعف طويلة الأمد في أنظمتنا وسياستنا السائدة، وأن الاقتناع بأن السلام الشامل والدائم لا يمكن تحقيقه إلا إذا كان قائمًا على العدالة الاجتماعية وتعمل منظمة العمل الدولية على جعل العدالة الاجتماعية الهدف النهائي للمنظمة وتركز على تحسين ظروف العمل، وأن إعلان فيلادلفيا لعام 1944 أعاد التأكيد بقوة على ولاية منظمة العمل الدولية الخاصة بالعدالة الاجتماعية القائمة على القيم الأساسية لكرامة الإنسان والحرية والمساواة وتكافؤ الفرص قد جعل تحقيق العدالة الاجتماعية الهدف الأساسي لجميع السياسات الوطنية والدولية ووضع الاقتصاد والسياسات الاقتصادية في خدمة هذا الهدف الأساسي”.
موقف مصر
تشارك مصر في هذا المؤتمر الدولي بوفد ثلاثي برئاسة وزير العمل حسن شحاتة، حيث تمتلك أرضاً خصبة لبرامج الحماية والعدالة الإجتماعية التي ستُروج لها دوليا -“بقلب جامد”- وهي تُعتبر نموذجاً يُحتذى به أمام العالم، ومن بين هذه البرامج:
– المشاريع العملاقة التي تُوفر فرص العمل، وتبني “الجمهورية الجديدة”.
– المبادرة الرئاسية “حياة كريمة” التي أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية لتوحيد الجهود بين كل مؤسسات الدولة بالتعاون مع المجتمع المدني، وشركات القطاع الخاص، وشركاء التنمية فى مصر وخارجها بملف التنمية المستدامة، والتي تهدف إلى القضاء على “الفقر متعدد الأبعاد”، والتخفيف عن كاهل المواطنين، خاصة الأسر الأكثر احتياجًا فى القرى والمراكز المُستهدفة، والبالغ عددها 4 آلاف و658 قرية باستثمارات تُقدر بتريليون جنيه.
وجاء تنفيذ وزارة العمل لتوجيهات وقرارات الرئيس السيسي بشأن حماية العمالة غير المنتظمة، ودمج ذوي الهمم في سوق العمل، ورعاية عمال مصر في الداخل والخارج، وتأهيل الشباب على مهن يحتاجها سوق العمل، وتوفير فرص عمل لهم، وربط التعليم باحتياجات السوق، وتعزيز معايير العمل الدولية في بيئة عمل لائقة، وتفعيل دور المجلس الأعلى للحوار المجتمعي في مجال العمل، هي قمة “العدالة والحماية الاجتماعية” التي يبحث عنها العالم اليوم في مؤتمر جنيف، حيث أنه ومنذ تولي الرئيس السيسي حكم البلاد حققت الدولة إنجازات ضخمة بهذا القطاع ونجحت وزارة العمل في تنفيذ توجيهات الرئيس في بناء عامل عصري يواكب تطلعات الجمهورية الجديدة، حيث ساهمت المشروعات القومية التي أطلقتها الدولة في كل ربوع مصر في توفير الملايين من فرص العمل لكافة فئات المجتمع، وهو ما أشاد به خبراء ومتخصصون مشاركون في مؤتمر العمل الدولي في أحاديث مع الوفد المصري، مُثمنين وعي الشعب المصري، ووقوفه صفاً واحداً مع قياداته السياسية التي أعلنت عن مبادرات رئاسية خففت من حِدة “تحديات سوق العمل العالمي”.