نشر المؤرخ كلاوس جينسك في كتاب “النازيون ومفتي القدس أمين الحسيني”، وثائق عن تواصل ألمانيا النازية مع تنظيم الإخوان المسلمين عبر مفتي القدس أمين الحسيني. وإذا كان التنظيم، وفقاً لما كتب جينسك، صناعة بريطانية خالصة، فإن المستشار الألماني أدولف هتلر رأى أن استخدام الإخوان في إثارة اضطرابات في مصر ضد البريطانيين، وليس ضد السلطة المصرية والملك فاروق، قد يؤدى إلى ثورة شعبية ضد الاحتلال البريطاني، ما يؤثر على استقرار بريطانيا في منطقة قناة السويس.
وقد كتب “حسن البنا” مؤسس الجماعة، في مجلة النذير، العدد رقم 30 بتاريخ 26 ديسمبر 1938، ما يمكن تفسيره بأنه يمارس دعاية دينية وسياسية لألمانيا وحلفائها، إذ قال: “ذكرت بعض الصحف أن إيطاليا وألمانيا تفكران في اعتناق الإسلام، وقررت إيطاليا تدريس اللغة العربية في مدارسها الثانوية بصفة رسمية وإجبارية، ومن قبل سمعنا تفكير اليابان في الإسلام”.
عقب هذه المقالة ووفقًا لكتاب “من قتل حسن البنا؟”، لصاحبة المؤرخ والكاتب الصحفي محسن محمد، رئيس مجلس إدارة دار التحرير ورئيس تحرير جريدة الجمهورية سابقًا، ذكرت وثيقة من أرشيف وزارة الخارجية البريطانية، تحمل رقم 23342.O.F بتاريخ 22 أكتوبر 1939، وتنص على أن السلطات المصرية، بإيعاز من الاحتلال البريطاني، فتشت مكتب الملحق الصحفي الألماني ومدير مكتب الدعاية النازية بالقاهرة ويلهام ستلوبجن ووجدت فيه خطابًا يفيد بتسليم مبالغ مالية لحسن البنا، مرشد تنظيم الإخوان، وهو ما يعزز علاقة الزعيم النازي “هتلر” ومؤسس الجماعة “حسن البنا”.
ويذكر الكاتب رفعت السعيد في كتابه “حسن البنا… الشيخ المسلح” أن مقالات البنا كانت سببًا في شائعة تحول هتلر للإسلام سرًا، ومقولة إن “الحاج محمد هتلر” قادم لتحرير العرب والمسلمين، وهي المقولة التي ترددت في المنطقة العربية بأسرها.
ووفقاً للمؤرخ ستيفان إيهريج في كتابه “أتاتورك في الخيال النازي”، افتُتح مكتب للإخوان المسلمين في برلين برئاسة الداعية الإخواني محمد صبري، وأصدر كتابًا بعنوان “الإسلام واليهودية والبلشفية”، واصفًا الأفكار الشيوعية بأنها “صنعت من قبل اليهود، وتقاد من قبل اليهود. وبذلك فإن البلشفية هي العدو الطبيعي للإسلام”، وذلك عشية الاجتياح الألماني للاتحاد السوفيتي. وقد أوصت وزارة الدعاية النازية بأن يقرأ الصحفيون الألمان هذا الكتاب.
ويضيف مؤلف الكتاب، هتلر كان معجبًا بتعاطي تركيا مع الأقليات الأرمنية واليونانية التي “خانت” الإمبراطورية وفقاً لاعتقاد الأتراك، وتساءل في الثلاثينيات: “مَن يتذكر اليوم مذابح الأرمن؟”، علماً أن هتلر نظر إلى اليهود باعتبارهم أقلية خانت الإمبراطورية الألمانية، وقد أعفى هتلر الألمان من أصول تركية وإيرانية من قوانين نورنبرج الخاصة بنقاء العرق الألماني، ثم أضاف الألمان من أصول بلقانية على ضوء انضمام المسلمين من تلك الأصول إلى الجيش النازي.
علاقة البنا بهتلر
كانت مساعي مؤسس الجماعة محاولة الحصول علي مزيد من الدعم الالماني دون علم الانجليز، وفقًا لمعلومات “محمد الورداني” احد ابناء الرعيل الاول، قائلاً : امين الحسيني وهو رجل دين كان وسيلة الاتصال وقتها بين الجماعة ومؤسسها وبين هتلر، حيث ساعد في تشكيل فرقة عسكرية من مسلمي القوقاز والبلقان الذين استمعوا إلى نداء أوفى أصدقاء هتلر من الساسة المسلمين، أمين الحسيني، بالانخراط في الجهاد بالجيش الألماني. وسُمّيت هذه الفرقة التي انخرطت تحت قوات النخبة النازية بوحدة هاندشر وضمت 20 ألف مقاتل مسموح لهم بقضاء الشعائر الدينية وتم توفير وجبات اللحم الحلال بالإضافة الى إمامٍ يعظ في عناصرها.
شكل أمين الحسيني هذا الجيش حينما زار إيطاليا ثم ألمانيا عام 1941، وقابل هتلر للمرة الأولى بعد ثماني سنوات من المراسلات الدبلوماسية، ووفقاً لجينسك، استخدم الحسيني أدبيات وأفكار حسن البنا الإخوانية في وعظ وتشكيل هذا “الحرس الثوري الإسلامي النازي”، حتى أن بعض أبناء تنظيم الإخوان وقتذاك أطلق عليه اسم كتائب الإخوان بالجيش الألماني النازي.
في نوفمبر 1944، قام هيملر وأمين الحسيني بإنشاء مدرسة للأئمة العسكريين في درسدن. ولاحقاً، بحسب محسن محمد، اتخذت بريطانيا والحكومة المصرية الموالية لها قرارًا بتأديب البنا، وأصدرت الحكومة المصرية أمرًا قضائيًا بتوقيفه، إلا أن لندن رأت عقب هزيمة ألمانيا النازية وانتهاء الحرب العالمية الثانية أن تنظيم الإخوان يُعدُّ درعًا مهمًا لصد المد الشيوعي عن المنطقة العربية في إطار الدفاع عن مصالح بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية خلال فعاليات الحرب الباردة، لذا تم هيكلة التنظيم وإعادة استخدامه مرة اخري بعد التخلص من العناصر التي تعاونت مع برلين.
ويؤكد “محمد الورداني” التنظيم لا يبالي في الوقت الراهن مع من يتعاون شرط تحقيق مصالحة الخاصة حتى لو كان علي حساب التجسس لصالح دول اجنبية شرط العودة الي الاضواء مرة اخري.