عاش الصعيد قرونًا طويلة شبه مستقل، تكاد تنحصر علاقته بدولة المركز في توفير الغلال ودفع الضرائب المستحقة، أما تدبير أموره، فكان يخضع لتحالفات قبلية داخلية سيطرت عليها قبيلة هوارة العربية، وكان أبرزها تأسيس دولة استمرت قرابة الأربعين عامًا بقيادة الأمير همّام في القرن الثامن عشر الميلادي، وهو الذي استطاع نسج علاقات خاصة مع السلطان العثماني في الآستانة من خلال توفير الغلال والسكر إلى عاصمة الخلافة. ومع انهيار دولة الأمير همام، دخل الصعيد في طور التهميش المصحوب بالقمع والإخضاع والاستغلال، لكن شجاعة اهل الصعيد كانت حاضرة وبقوة في كل المواقف التي مرت علي تاريخ مصر القديم والحديث فأصبح الجميع يردد عبارة “الصعيد أصل مصر”.
في ضوء كتاب «إمبراطوريات متخيلة: تاريخ الثورة في صعيد مصر» للدكتورة زينب أبو المجد، أستاذة التاريخ في جامعة أوبرلين الأميركية، تعامل الصعيد مع عدة إمبراطويات هي: المملوكية والعثمانية والفرنسية والمصرية والبريطانية، وتنوعت أساليبها في إخضاع الصعيد واستغلاله وقمعه، وقد ولد نظام الدولتين في مصر قبل استيلاء العثمانيين على الحكم في مصر عام 1517م، إذ كانت قبيلة هوارة تسيطر على الصعيد منذ عام 1380م بعد حروب طاحنة مع المماليك، ومع تلك السيطرة، أخذت هوارة تنشط في الزراعة والتجارة والصناعة خاصة السكر.
ومع دخول العثمانيين، تم إقرار الوضع القائم. صيغت العلاقة بين هوارة والعثمانيين على أساس الاستقلال الذاتي مقابل دفع الخراج والضرائب للباب العالي، وبذلك تم إقرار نظام الدولتين رسميًا في وثيقة قانونية أصدرها السلطان العثماني 1525م عرفت باسم «قانون نامة مصر» يتضمن الاستقلال الإداري للصعيد عن القاهرة، وكان الصعيد يتواصل مباشرة مع إسطنبول، ثم صدر قانون آخر يتعلق بملكية الأراضي الزراعية.
واستطاعت هوارة أن تحصل من السلطان العثماني على فرمان بأن يحتفظ أبناء هوارة بحق تحصيل ضرائب تلك الأراضي ووفق نظام سمي وقتها بـ«الالتزام». وتحكمت هوارة في أكثر من نصف الأراضي الزراعية في الصعيد. وفي نهاية القرن السابع عشر الميلادي، ظهر الأمير همام باعتباره الملتزم الوحيد للصعيد.
كان الاستقرار السياسي في الصعيد قائمًا على «عقد اجتماعي» بين قبيلة هوارة الحاكمة، وفئات المجتمع الأخرى وأبرزها: الفلاحون والأقباط والعربان. كانت هوارة توفر للفلاحين الأمن من غارات العربان، في مقابل الحصول على الضرائب، ثم استطاعت هوارة أن تخطو خطوة سياسية كبيرة عندما أسندت للعربان المعروفين بالسطو، وأبرزهم قبيلة العبابدة، مهمة حراسة القوافل، وأشركتهم في التجارة.
كان صراع المماليك ينعكس على الصعيد، وفي بعض فترات الاضطراب كانت هوارة تتوقف عن إرسال الخراج للقاهرة، وتعرض الصعيد لوباء الطاعون حيث طال الموت كثيرًا من فقراء الصعيد الذين فرّوا إلى القاهرة.
وُلدت دولة الشيخ همام بن يوسف في الصعيد متمتعة بالحكم الذاتي، ونجح همام في استيعاب الغضب، واتخذ من قنا عاصمة له، واستمرت دولته أربعين سنة. كان همام يمتلك 12 ألفًا من المواشي مخصصة فقط لزراعة قصب السكر، ولك أن تتخيل ما تحتاجه تلك الثروة الحيوانية من أراض زراعية لعلفها، وعمال لخدمتها.
لكن في عام 1773م، انهارت دولة همام، وخضع الصعيد للسيطرة العثمانية بعد ستة قرون من الحكم الذاتي. كيف حدث ذلك؟
تم الاعتماد علي عدد من الوسائل ومنها سياسة “فرق تسد” وقد ظهر ذلك اثناء الحملة الفرنسية علي مصر ومحاولة خلق الفتن بين الاقباط والعربان من جانب وبين الفلاحين والعربان علي الجانب الاخر.
كذلك استخدام سياسة “القوة والقهر”، وايضًا استعمال ورقة “التركيبة الاجتماعية” فنشأت نخبتان جديدتان في الصعيد:
الأولى، هي المستوطنون الأتراك خاصة في قنا، الذين حازوا الإقطاعات وتولدت في أيديهم أموال ضخمة، وتلك أصبحت النخبة الأهم في الصعيد.
الثانية، هي بقايا النخبة الصعيدية القديمة التي أعادت تشكيل نفسها ودخلت في تحالف ومصاهرة مع نخبة المستوطنين الأتراك، وأسست تلك النخبة وكالات تجارية وإقطاعات، وتوسعت تحالفاتها مع القاهرة والخارج، وأصبح لمحمد علي باشا نخبة تدين له بالولاء تختلف عن النخبة من قبيلة هوارة التي كانت لها السيادة لقرون طويلة. ومن خلال تلك النخبة الجديدة، خضع الصعيد وأصبح أسهل انقيادًا للحكومة المركزية في القاهرة.
كيف قاوم الصعيد؟
لم يقف الصعيد على مدى قرونه الخمسة صامتًا أمام تدمير هويته ونهب ثروته والعبث بتركيبته الاجتماعية والطبقية، فعرف أشكالًا من المقاومة، منها:
التسحب، كانت الضغوط والضرائب والمظالم في ازدياد على فلاحي الصعيد، ولم يجدوا أمامها إلا التسحب فارّين من الضرائب والتجنيد الإجباري، أي ترك الأرض والهروب إلى القرى المجاورة، وكانت السلطة تجد قرى بأكملها بلا سكان، فتصادرها وتعيد توزيعها، فإذا عاد الفلاح يجد أنه خسر كل شيء، لذا كان التسحب وبالًا على كثير من أهل الصعيد، خاصة بعدما كلفت السلطة العُمد ومشايخ البلد بالقبض على المتسحبين والإبلاغ عنهم.
الثورة، شهد الصعيد ثلاث ثورات ضد حكم محمد علي باشا خلال الفترة من 1820 حتى 1824، وقد كانت قنا مركز تلك الثورات.
الثورة الأولى، قادها شخص يدعي الشيخ أحمد، ادعى أنه المهدي المنتظر، وحشد فيها أربعين ألفًا من مؤيديه، ونجح في الاستيلاء على قنا لمدة شهرين، وعيّن موظفين له، وتمتع بقدرة على بناء تحالفات سياسية محلية، لكن سرعان ما أخمدت الثورة التي قتل فيها أكثر من أربعة آلاف شخص. والغريب أن بعض الجنود الذين ارتكبوا المذابح ضد القرى في الصعيد كانوا ينتمون إلى تلك القرى ذاتها، وهو ما عمّق ثقة محمد علي في بناء جيش من المصريين لا يدين بالولاء إلا لأوامره فقط.
كما نشب عقب تلك الثورة تمردان آخران في قنا، لكن تم إخمادهما بنفس الوحشية. ومن الغريب أن الدولة أغرت العربان بمكافأة مجزية عن كل رأس متمرد يقطعونه، فطاف العربان الجبال، وقطعوا رؤوس كثير من الثوار، فخلا الصعيد من الثورة.
لكن في سنة 1864، قامت ثورة أخرى في الصعيد بزعامة الشيخ أحمد الطيب، وقاد عشرات الآلاف من الفلاحين الغاضبين، واستهدفت حركته مراكب التجار الأوروبيين في النيل وأبعديات الأتراك وأثرياء الأقباط، لكنها أُخمدت.
الصعيد في عهد السيسي
وخلال العصر الحديث وتحت حكم الرئيس عبدالفتاح السيسي، ظهر أعجاب الرئيس الشديد بأهل الصعيد وشجاعتهم ومواقفهم الوطنية اثناء حديث اعلامي ابان فترة الترشح الاولي لرئاسة الجمهورية وحينما سألة المذيع عن أهل الصعيد اشاد الرئيس بشهامتهم ونخوتهم واحترامهم، ليكون للصعيد نصيب فيما بعد من مشروعات الدولة التنموية.
وفي السطور التالية نستعرض ابرز المعلومات عن تلك المشروعات :-
اولاً :- إجمالى الاستثمارات بمحافظات الصعيد موزعة علي النحو التالي.
13.2 مليار جنيه فى قطاع الإسكان، لإنشاء 130892وحدة سكنية – 389 مليون جنيه فى قطاع تطوير العشوائيات لتطوير 94 منطقة بها 36869 وحدة سكنية – 11.3 مليار جنيه فى قطاع الطرق لتنفيذ 931 كم طرق قومية ورئيسية بخلاف شبكات الطرق الداخلية بالمدن الجديدة – 34.5 مليار جنيه فى قطاع المرافق لتنفيذ 271 مشروعاً لتوصيل خدمات مياه الشرب والصرف الصحي، و1654 مشروعاً لإحلال وتجديد شبكات ومحطات قائمة – 3.6 مليار جنيه فى قطاع الخدمات لإنشاء 412 مبنى خدميا.
وقد عملت الدولة فى تنمية محافظات الصعيد من خلال 3 محاور، وهي كالتالي:
1- المحور الأول ويتعلق بمشروعات تطوير المدن القائمة بمحافظات الصعيد، وذلك لتنفيذ وحدات سكنية، ومشروعات خدمية، وشبكات طرق ومرافق.
2 – المحور الثانى تنفيذ المشروعات المختلفة بـ8 مدن جديدة (الأجيال السابقة).
3 – المحور الثالث: تنفيذ المشروعات بـ6 مدن جديدة، من مدن الجيل الرابع.