“أن العمل على تحديد المنشأ يشير إلى مخزونات طبيعية للفيروس في الخفافيش، لكن من غير المحتمل أن تكون في ووهان”، جزء من التقرير الوارد لمنظمة الصحة العالمية بشأن لجنة التحقيق المرسلة من جانب المنظمة الي معهد ووهان الصيني حيث طالته اتهامات بالتورط في تسريب الفيروس من المعمل، وهو السيناريو الذي تبناه الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب واستغله في وقت من الاوقات لكسب مزيد من التأييد واصفًا الفيروس في مرات عديدة بالفيروس الصيني، لكن عبارة من “غير المحتمل” الواردة بتقرير منظمة الصحة العالمية الاخير جعل الأبواب باب الاتهام الامريكي للصين لايزال محل شكوك، وهو ما دفع بالأخيرة الي تبادل نفس الاتهام وتوجيه اصابع الاتهام لمعهد “ميرلاند” للاسلحة البيولوجية الامريكي.
اتهم البعض الصين بتصنيع وتطوير إحدى سلالات وباء متلازمة الالتهاب الرئوي الحاد (سارس)، الذي نشأ في الصين عام 2003، وتصديره للعالم، خاصة مع تراجع أعداد الإصابات والوفيات هناك، فيما اتهم صينيون الولايات المتحدة بتصنيع الفيروس التاجي الجديد.
لكن دراسة جديدة كليا نشرتها مجلة “نيتشر” العلمية، وشارك فيها باحثون من جامعات أدنبرة وكولومبيا وسيدني وتولين، لم تجد أي دليل على أن الفيروس تم صنعه في مختبر أو هندسته بأي شكل آخر، كما أشارت بعض الشائعات، وذلك بعد أن قام العلماء بتحليل بيانات تسلسل الجينوم العام لفيروس كورونا المستجد واسمه العلمي “سارس كوف2” (SARS-CoV-2) والفيروسات ذات الصلة.
وفيروس كورونا المستجد هو الأحدث في سلالة فيروسات كورونا، وهو السابع المعروف من سلالة كورونا الذي يصيب البشر، والثالث الذي يسبب أمراضا خطيرة.
أما الأنواع الأربعة التي تجلب أعراضا بسيطة هي KU1 وNL63 وOC43 و 229E.
الفيروسات الأخطر ضمن السلالة، والتي تسبب أمراضا حادة هي ثلاثة، ظهر الأول منها في الصين عام 2003، وهو وباء متلازمة الالتهاب الرئوي الحاد (سارس)، وفي عام 2012 انتشرت السلالة الثانية في المملكة العربية السعودية والتي سميت متلازمة الشرق الأوسط التنفسية (ميرس)، وفي نهاية العام الماضي، بدأ انتشار السلالة الثالثة والحالية (كوفيد 19) والذي تم إلحاقه لاحقا بسلالة سارس، فسمّي علميا (سارس كوف 2)
ويقول كريستيان أندرسن، الأستاذ المساعد في علم المناعة والأحياء الدقيقة وأحد مؤلفي الورقة البحثية، إنه “من خلال مقارنة بيانات تسلسل الجينوم المتاحة لسلالات الفيروس التاجي المعروفة، يمكننا أن نجزم بأن سارس كوف2 (كورونا المستجد) نشأ من خلال الطبيعة“.
وحتى نشر البحث مطلع العام الماضي تم توثيق ما يقرب من مئتي ألف إصابة و7900 وفاة حول العالم بفيروس كورونا المستجد. لكن الدراسة تشير إلى أن كثيرا من الوفيات لم يتم تشخيصها بالإصابة بالمرض، وبالتالي لم يتم تسجيلها في كثير من البلدان.
وتقول الدراسة إن العلماء الصينيين، وبعد وقت قصير من بدء انتشار الوباء، قاموا بتتبع تسلسل جينوم الفيروس وأتاحوا البيانات للباحثين في جميع أنحاء العالم.
وأظهرت بيانات تسلسل الجينوم أن السلطات الصينية اكتشفت الفيروس بسرعة، وأن تزايد ارتفاع وتيرة الإصابات به كان بسبب انتقاله من إنسان لآخر، وأن بدايته كانت بسبب شخص واحد حمل الفيروس فأصاب به آخرين.
واستخدم الباحثون المشاركون في الدراسة من جامعات ومعاهد بحثية مختلفة بيانات التسلسل هذه لاستكشاف أصل ومنشأ الفيروس من خلال التركيز على سيناريوهات عديدة.
دليل على التطور الطبيعي
وبناء على تحليل النموذج الجيني للبروتين الخاص بفيروس كورونا المستجد، استنتج الباحثون أنه جاء نتيجة للتطور الطبيعي وليس نتاج هندسة وراثية أو معملية.
وما أثبت صحة هذا الاستنتاج هو البيانات الخاصة بالهيكل الجزيئي للفيروس.
وأشارت الدراسة إلى أن فيروس كورونا المستجد يشبه في الغالب الفيروسات ذات الصلة الموجودة في الخفافيش وآكل النمل الحرشفي.
ويلفت رئيس قسم الأوبئة في “ويلكوم ترست” ومقرها المملكة المتحدة الدكتور جوزي غولدنغ، إلى إن النتائج التي توصل إليها أندرسون وزملاؤه “ذات أهمية حاسمة في تقديم وجهة نظر مبنية على الأدلة ضد الشائعات التي تم تداولها حول أصل فيروس “سارس كوف 2” المسبب لمرض كوفيد 19″، مضيفا أن الدراسة “تنهي أي تكهنات بشأن الهندسة الوراثية المتعمدة“.
كيف نشأ الفيروس؟
بناء على تحليل التسلسل الجينومي لكورونا المستجد، خلصت الدراسة إلى أن أصل الفيروس الذي يتفشى حول العالم حاليا قد يكون واحدا من سيناريوهين محتملين..
السيناريو الأول
أن يكون الفيروس قد تطور إلى حالته المرضية الحالية من خلال الانتقاء الطبيعي لمضيف له غير بشري ثم انتقل إلى البشر، وذلك كما حدث مع تفشي الفيروسات التاجية المعروفة لهذه السلالة من قبل. ففيروس “سارس” انتقل للإنسان في الصين من خلال مضيف له هو حيوان الزباد، أما في حالة متلازمة الشرق الأوسط التنفسية “ميرس” والذي بدأ في السعودية، فكان مضيف الفيروس هو الجمل.
وفي حال فيروس “سارس كوف2” المعروف بكورونا المستجد، فيعتقد أن مضيفه هو الخفاش، نظرا لأنه يشبه فيروس كورونا الذي يصيب هذا الحيوان.
معهد ووهان الصيني
جري علماء المعهد أبحاثا حول أكثر الأمراض خطورة في العالم، وساعدوا في إلقاء الضوء على المسببات المرضية لكوفيد-19 في الأيام الأولى لتفشي الوباء في ووهان.
في فبراير 2020 نشروا بحثا توصل إلى أن الخريطة الجينية للفيروس الجديد مشابهة بنسبة 80% لفيروس سارس التاجي، ومطابقة بنسبة 96% على مستوى الجينوم الكامل لفيروس تاجي عثر عليه في الخفافيش.
وكان باحثو المختبر قد أجروا في السابق تحقيقات مكثفة حول علاقة الخفافيش بتفشي أمراض في الصين.
ويعتقد العديد من العلماء أن الفيروس المسبب لكوفيد-19 نشأ في خفافيش وربما انتقل إلى البشر عن طريق حيوان ثديي آخر، لكن لا إثبات على ذلك بعد.
ويضم المعهد أكبر بنك فيروسات في آسيا ويحتفظ بأكثر من 1500 سلالة.
والمجمع هو المختبر الأكثر تشديدا للإجراءات الأمنية في آسيا ومجهز للتعامل مع مسببات أمراض من الفئة الرابعة (بي4) مثل إيبولا.
ومختبر بي 4 البالغة تكلفته 300 مليون يوان (42 مليون دولار) افتتح في 2018. ومختبر بي3، الذي يشمل مستويات السلامة فيه فيروسات كورونا، بدأ العمل منذ 2012.