ولد الدكتور كمال الجنزورى فى 12 يناير 1933 بقرية جروان، مركز الباجور، محافظة المنوفية، شغل منصب محافظ الوادي الجديد ثم محافظ بني سويف قبل أن يدير معهد التخطيط القومي ثم يصبح وزيراً للتخطيط فنائباً لرئيس الوزراء.
وشغل منصب رئيس مجلس الوزراء فى يناير 1996 – أكتوبر 1999، ليشغل المنصب مرة أخرى فى نوفمبر 2011- يوليو 2012 ، حتى تم تعيينه مستشار لرئيس الجمهورية عدلى منصور للشئون الاقتصادية فى يوليو 2013 .
لسنوات طوال، ظل الدكتور كمال الجنزورى صامتًا لا يُدلى بحديث، ولا يظهر فى أى لقاءات تلفزيونية، مفضلًا أن يساعد فى صمت كل من يقصده للمشورة فى أمور الوطن.
سنوات عديدة من بعدها تغير حال مصر، فقرر حينها أن يكتب مذكراته، كى يلقى الضوء على مشوار طويل من العمل والكفاح مهد له الطريق من طفولة بقرية صغيرة إلى إنجازات متوالية فى رئاسة الوزراء.
فى الجزء الأول من شهادته الشخصية، يستعرض الدكتور كمال الجنزورى مختلف محطات حياته، بدءًا بطفولته فى القرية، عطفًا على دراسته وحصوله على شهادة الدكتوراه من أمريكا، ثم الوظائف التى تقلدها، وانتهاءً بوصوله إلى رئاسة الوزراء (1996-1999) وما تبع ذلك من مسئوليات ومهام، وما واجهه من صعوبات وتحديات، سواء ما تعلق منها بالظروف المجتمعية فى تلك الفترة أو مواجهته لمراكز القوى فى مختلف مؤسسات الدولة فى ذلك الوقت وعلاقته بتلك المؤسسات ورؤسائها.
وبجانب سيرته الذاتية، يتناول الدكتور الجنزورى منهجية العمل الحكومى، وكيف تقوم الحكومات بأداء عملها للحفاظ على مصالح الدول.
كما يلقى الضوء على مقابلاته مع مختلف الرؤساء والزعماء وكبار المسئولين فى مختلف الدول، وما دار خلف الكواليس فى الكثير منها مثل تفاصيل مقابلته لبوش الأب وكلينتون وآل جور وتونى بلير ونتنياهو وما دار بينهم من أحداث.
الجنزوري يطرح ومبارك يعطي إشارة البدء
عُين الجنزوري وزيرا للتخطيط في حكومة الدكتور فؤاد محيي الدين في يناير من عام 1981.
ويقول الجنزوري في مذكراته: “بعد أيام قليلة، من تشكيل الحكومة طلبنا الرئيس حسني مبارك كمجموعة اقتصادية مكونة من أربعة، وكان بالمصادفة ثلاثة منهم يقيمون في مصر الجديدة والرابع الدكتور صلاح حامد بمدينة الإعلام بالعجوزة، وبدأ الحديث من جانب الرئيس بسؤاله عن كيف يمكن أن ننظر إلى المستقبل؟ فشعرت أن السؤال موجه لي، وأن مرجعه دراسة فقلت: الأمر يتطلب أن نعد لمؤتمر اقتصادي ليكون بداية لإعداد نظرة مستقبلية لخطة قومية طويلة المدى وأخرى متوسطة وقصيرة المدى، على أن يشارك كل الأطراف المعنية بغض النظر عن اختلاف الإيديولوجيات، سواء من اليمين أو اليسار أو الوسط. فطلب الرئيس أن نبدأ“.
* التباحث لوضع استراتيجية
خرجنا من الاجتماع والتقينا فورا في معهد التخطيط لأنه كان الأقرب مكانا، وقررنا أن نجتمع فيه بعد ذلك، وحاولنا أن نختار أسماء كثيرة لتساهم في المؤتمر المقترح، وكان في مقدمتهم الدكتور علي الجريتلي والدكتور عبدالجليل العمري والدكتور عبدالمنعم القيسوني والدكتور إبراهيم حلمي عبدالرحمن والدكتور إسماعيل صبري عبدالله، ومن كبار الكتاب والمفكرين السيد نجيب محفوظ والسيد أحمد بهاء الدين، والدكتور زكي نجيب محمود. ويصعب أن أذكر الجميع لأننا وصلنا إلى أكثر من خمسين شخصية من العلماء والمفكرين والوزراء والمسئولين السابقين.
واستمرت اجتماعات المؤتمر حتى توصلنا إلى إطار عام، وأعددنا وثيقة تحدد الرؤية المستقبلة، لما نصبو إليه من المسار خلال العشرين سنة المقبلة، والموارد المتاحة وتلك التي يمكن أن تتاح، وكيف يمكن أن نزيد من روافدها المختلفة، وما هي الأولويات التي تخدم الوطن والمواطن.
* الخروج بقرارات ثم إقناع مستميت
كانت قرارات المؤتمر، هي الأساس لإعداد وزارة التخطيط الخطة العشرينية (1982 ــ 2002) والخمسية الأولى (1982 ــ 1987) والسنة الأولى (1982/1983)، وكان على أن أعرض على مجلس الوزراء هذا القدر الهائل من العمل، حيث كانت المرة الأولى التي أناقش فيها وأدافع وأوضح لمدة امتدت إلى خمس ساعات، وكان البعض حريصا كل الحرص على زيادة ما يتاح لوزارته من موارد، لكننى حاولت جاهدا أن أوجه النقاش إلى الأهداف التي نصبو إليها وما نرجوه فعلا للوطن والمواطن.
* إقرار الخطة العشرينية والعرض على مجلس الشعب
وأضاف: “أقر المجلس في آخر مايو عام 1982 الخطة العشرينية (1982 ــ 2002) والخطة الخمسية الأولى (1982 ــ 1987) وخطة السنة الأولى (82/1983)”.
واستكمل: “بعد هذا كان يلزم الذهاب إلى مجلس الشعب لأعرض الخطة على أعضاء مجلس الشعب، واستمر النقاش لجلسات عديدة صباحا ومساء، وعند الانتهاء من المناقشة حدث أمر يدعو للعجب لا بد من ذكره، وهو أنني تحدثت لأول مرة أمام البرلمان عام 1982 فصفق لي النواب، وبعد أن تمت مناقشة الخطة العشرينية والخطة الخمسية الأولى وخطة السنة الأولى، وأيضا الموازنة العامة لعام 82/1983، كان على الدكتور صلاح حامد، أن يعقب على كل المناقشات المتعلقة بالموازنة العامة، وكان علىّ كوزير تخطيط أن أعقب على ما أثير عن الخطة العشرينية والخمسية والسنة الأولى، ويبدو أنني وفُقت وكانت المرة الأولى لي في المجلس، حيث تكلمت مرتجلا، ونلت الرضا من أعضاء المجلس وكان التصفيق حارا، وإذا بي أفاجأ بعد انتهاء المناقشات، بدخول الدكتور فؤاد محيي الدين وطلب التعليق وكان يجيد الخطابة، كان شخصية مؤثرة حينما تستمع إليه، فعلق بكلام عام على أهمية التخطيط وكيف أخذت الموازنة العامة في اعتبارها كل ما يتطلبه المواطن المصري خاصة محدودي الدخل“.
* كلمة الجنزوري في البرلمان حرمته من الحديث في الجلسات
يتابع الجنزوري: “جاءت الساعة السادسة، وأعلن التليفزيون أن مجلس الشعب وافق على الخطة والموازنة، وعقب رئيس الوزارة بكذا وكذا، وكأنه لم يكن هناك وزير للتخطيط ولا وزير للمالية، وهو حق أصيل لكل منهما فيما يتعلق بالخطة والموازنة” .
وتابع: “ولكن قبل أن أتحدث مع السيد صفوت الشريف ورئيس الحكومة، كان معي الدكتور يوسف والي، وزير الزراعة أثناء مناقشة الخطة في المجلس، وكان على علاقة غير طيبة مع الدكتور فؤاد محيي الدين، لأسباب شخصية أو سياسية لا أعلمها وقد قال لي: إنه بعد أن تكلمت في المجلس اليوم، وأجدت وأنصت وصفق لك الجميع، فأقول لك كلمة صادقة لن يتاح لك الميكروفون بعد اليوم، ومع أنني أخذت كلامه كتعبير عن عدم رضا بينه وبين الدكتور فؤاد. فقلت لماذا؟ ألم نتكلم كمسئولين عن الخطة والموازنة؟ فرد بأن الدكتور فؤاد محيي الدين، طلب قصر ما يذاع عن الخطة والموازنة، على رئيس الوزارة فقط“.
وعبر الجنزوري، قائلا: “قد ترى من ذلك، أن الإنسان هو الإنسان مهما كانت وظيفته بكل مشاعره، والتي من الممكن أن يكون لها تأثير على العمل العام إذا تمكنت الغيرة أو المنافسة من العاملين. كان هذا في البداية، ولكن بعد شهر أو اثنين، بدأت العلاقة مع الدكتور فؤاد تتحسن، رغم اختلافي مع سياسته وحرصه الزائد على إدارة الأمور منفردا، ولكن كان يتميز بسعيه الدائم إلى المصلحة العامة“.
واستطرد: “اختلفنا بعض الوقت وتقاربنا في أغلب الأوقات. ورغم الفجوة التي بدت عند أول عام 1982 معه، أصبحت من أقرب الوزراء إليه، وكان الاتفاق كاملا على الأسس والتفاصيل التي تحقق المصلحة العامة، والبعد عن كل ما ينتمي إلى المصلحة الخاصة”.