تعتبر القوة الناعمة أحد المحددات الرئيسية لقوة الدولة إلى حد يفوق في بعض الأحيان القوة الصلبية التقليدية السياسية والاقتصادية والعسكرية، كونها وسيلة فعالة لتشكيل الوعي والإدراك وأطر التفكير وأداة لتسوية النزاعات والقضاء على التطرف والعنف والإرهاب.
وبعد فترة من التأزم بين عامى 2011 و2013 إثر عدم الاستقرار السياسي وتراجع معدلات النمو الاقتصادي وتوتر العلاقات الخارجية، حظيت القوة الناعمة بدفعة من القيادة السياسية على كافة الأصعدة الثقافية والدينية والفنية والتعليمية والرياضية والعلمية والإنسانية انطلاقًا من إدراكها لدورها في تعزيز مكانة مصر دوليًا وإقليميا.
وذكرت دراسة للمركز المصري للفكر والدراسات أنه تمثلت مظاهر القوة الناعمة المصرية في المشاركة في المسابقات الرياضية العامة والفوز بالعديد منها، واستضافة الفعاليات الرياضية كتنظيم كأس الأمم الإفريقية عدة مرات أخرها عام 2019، وكأس العالم السابع والعشرين لكرة اليد للرجال 2021، بما أظهر قدرة مصرية عالية على حسن التنظيم والإدارة في ظل ظروف استثنائية، ومن المقرر استضافة بطولة كأس العالم للرماية 2022. وفي هذا الصدد، ويعد محمد صلاح أحد أدوات القوة الناعمة المصرية، فقد كشفت الأبحاث التي أجرتها جامعة ستانفورد أن جرائم الكراهية ضد المسلمين انخفضت بنسبة 19.9% في بريطانيا نتيجة لمكانة صلاح.
وتابعت الدراسة أن ضمن القوة الناعمة المصرية استضافة الفعاليات الثقافية والمهرجانات بمشاركة نجوم وشخصيات عالمية، وتجديد الخطاب الديني وترسيخ قيم المواطنة والقضاء على التمييز. كما حظي الإبداع بجميع أشكاله بمساحة أكبر كون المنتَجات الإبداعية تقع في قلب منظومة القوى الناعمة، وعليه جاءت مصر في المرتبة 43 على مؤشر صادرات الخدمات الإبداعية والثقافية، والمرتبة 39 على مؤشر صادرات السلع الإبداعية، والمرتبة 28 في مجال السلع الإبداعية، والمرتبة 57 في مجال التصميمات، والمركز 69 في مجال حقوق الملكية الفكرية، وفقًا لدليل المعرفة العالمي عام 2018 ويصنف 126 دولة.
وتابعت الدراسة أنه علاوة على تنظيم المنتديات الاقتصادية والمؤتمرات الدولية والإقليمية والمعارض التجارية والاستثمارية، وعلى رأسها منتدى شباب العالم، بما أظهر القدرات التنظيمية للدولة وعكس حالة الاستقرار السياسي والأمن وجعل مصر منصة حوارية فعالة وجسرًا للتواصل السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي وتبادل الخبرات بين الشعوب. وقد انعكس النجاح المصري في اعتماد الأمم المتحدة منتدى شباب العالم “منصة دولية” لدوره في مناقشة القضايا المعاصرة الخاصة بالشباب وتحقيق أجندة التنمية المستدامة 2030.
ولفتت الدراسة فإن القوى الصلبة أو التقليدية تُعتبر أحد موارد القوة الناعمة فقد تنتج جاذبية الدولة من إعجاب الآخرين بصورتها كنموذج للنجاح الاقتصادي أو التفوق العسكري (سمعة امتلاك القوة)، أو عبر تبنيها سياسة خارجية تقوم على مبادئ ذات قبول وإعجاب. وبالتطبيق على الحالة المصرية، فقد حظي نموذج الإصلاح الاقتصادي باحترام دولي بعدما تمكن من الصمود أمام جائحة كورونا محققًا ثاني أعلى معدل نمو اقتصادي على مستوى الاقتصادات الناشئة بنسبة 3.6%، واستطاعت القاهرة بما تملكه من قدرات عسكرية ضخمة ومتطورة تحقيق الردع للمشاريع الإقليمية التوسعية في المنطقة وبسط الأمن والسيطرة على كافة الاتجاهات الاستراتيجية وحماية خطط التنمية.