تشهد الهند السيناريو الأسوأ الذي تخشاه كثير من الدول من كوفيد-١٩، عدم القدرة على العثور على أسرة كافية في المستشفيات، أو الخضوع لاختبارات أو الأدوية أو الأكسجين. ويغرق البلد البالغ عدد سكانه ١.٤مليار نسمة تحت وطأة العدوى.
سجلت الهند، السبت الماضي، 349 ألفا و391 حالة إصابة بفيروس كورونا، إضافة إلى 2767 حالة وفاة. وذكرت السلطات الهندية أنه يتم تسجيل وفاة واحدة كل 4 دقائق تقريبا في دلهي مع انهيار شبه كامل بالنظام الصحي الذي يعاني أصلاً من نقص التمويل.
وفي ظل ارتفاع حالات الإصابة بالفيروس المستجد، أعلنت الحكومة تمديد إجراءات الإغلاق في العاصمة دلهي. وقال رئيس حكومة دلهي أرفيند كيجريوا – حسبما نقلت صحيفة (تايمز أوف إينديا) الهندية – إن “الإغلاق الذي فُرض الأسبوع الماضي الذي استمر لمدة 6 أيام تنتهي غدا، سيمدد حتى يوم 3 مايو المقبل“.
بلغ عدد الإصابات بالفيروس المستجد في الهند حتى الآن ١٧ مليون نسمة، مع تسجيل أرقام قياسية للمصابين والوفيات لليوم الرابع على التوالي. ويرجح الخبراء أن عدد الضحايا قد يكون أكثر بكثير من العدد المذكور، إذ لم يتم تضمين الحالات المشتبه بها، كما أن العديد من الوفيات الناجمة عن العدوى تُعزى إلى أسباب أخرى.
وحثّ رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي المواطنين، أمس الأحد، على التطعيم وتوخي الحذر مما وصفه بعاصفة الإصابات التي تهز البلاد.
ما سر الارتفاع المفاجئ؟
ينطلق معدّل ارتفاع الإصابات في الهند على الرسوم البيانية بشكل عمودي عوضًا أن يكون تصاعديا. وأذهلت الزيادة المفاجئة في الإصابات الهنود، لاسيما وأنها جاءت بعد انخفاض عدد الحالات في بلادهم إلى مستويات قياسية في فبراير الماضي.
يقول الدكتور سريناث ريدي، عالم الأوبئة وخبير الصحة العامة الذي يعمل ضمن فريق يقدم المشورة للحكومة الهندية بشأن كوفيد-١٩، إنه كان هناك اعتقاد شائع في البلاد بين المواطنين والمسؤولين في الحكومة أن الهند لن تشهد موجة ثانية، وبالتالي تخلوا عن الإجراءات اللازمة لمنع تفشي العدوى.
وأضاف: “من الواضح أن السماح بإعادة فتح البلاد، والسفر، وإجراء انتخابات محلية، والتجمعات الدينية، وحفلات الزفاف، تسبب في تفاقم الأزمة“.
زاد الطين بلّة بعد إعلان وزارة الصحة الهندية اكتشاف ٧٧١ نوعًا مُختلفًا من فيروس كورونا، بما في ذلك السلالة التي تم تحديدها لأول مرة في المملكة المتحدة وجنوب أفريقيا والبرازيل، علاوة على المتغير مزدوج التحور أو ما يقول عليه العلماء ” المُتغير الهندي بي 1617“.
“إصابات بعد اللقاح“
تصاعدت المخاوف عقب نشر وسائل الإعلام المحلية تقارير تفيد بإصابة أشخاص بعد حصولهم على اللقاح، بما في ذلك رئيس الوزراء السابق مانموهان سينج، ٨٨ عامًا، الذي نُقل إلى المستشفى بعد حوالي ثلاثة أسابيع من حصوله على جرعة اللقاح الثانية.
دفعت الأوضاع الحالية الاثرياء الهنود إلى إنفاق مبالغ كبيرة على رحلات الطيران في اللحظة الأخيرة واستئجار رحلات الطائرات الخاصة رغم قيود السفر.
“امتلاء المقابر“
مع ارتفاع عدد الوفيات جراء الإصابة بفيروس كورونا تعجز المقابر والمحارق عن استيعاب جثث الموتى. قالت وكالة أسوشيتيد برس إن مساحات المقابر في العاصمة الهندية دلهي بدأت بالنفاد، فيما تضررت المحارق الجنائزية في مدن أخرى بشدة.
حسب الأسوشيتيد برس، فإن بعض محارق الجثث زادت من قدرتها الاستيعابية من العشرات إلى أكثر من ٥٠ جثة في وسط مدينة بوبال، مع ذلك قال مسؤولون إنه لا تزال هناك ساعات انتظار طويلة.
وقال حفار قبور في أكبر مقبرة إسلامية في نيودلهي، دُفن فيها 1000 شخص خلال الأزمة الوبائية، إن “المزيد من الجثث تصل الآن مقارنة بالعام الماضي“.
“تفاقم الأزمة“
يزداد تفاقم الأزمة في الهند التي تعاني من نظام صحة هش ونظام مراقبة أكثر هشاشة، ما يزيد من خطورة الضرر محليًا وعالميًا، وربما يصل إلى نطاق لم نشهده بعد منذ تفشي الوباء، حسبما ذكرت صحيفة الجارديان البريطانية.
ما يزيد الوضع سوء بالنسبة لأزمة تفشي الفيروس في الهند هو أن معهد سيروم الهندي للمصل واللقاح، الذي كان من المفترض أن يكون أكبر منتج للقاحات في العالم والمسؤول عن تزويد الدول الفقيرة ومعظمها في افريقيا بجرعات في إطار مخطط مبادرة كوفاكس، بات الآن يعمل على قدم وساق لتلبية احتياجات الهند التي تعاني من أجل الحصول على مواد لإنتاج اللقاحات من الولايات المتحدة.
تجلت خطورة الوضع في الهند عندما قدمت فقط ١.٢ مليون جرعة من اللقاح إلى الخارج مقارنة بـ ٦٤ مليون جرعة في الأشهر الثلاثة السابقة.
مساعدات فورية
قال وانغ وين بين، المُتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، إن الصين مُستعدة لتقديم الدعم والمساعدة اللازمين للهند، ولكنه لم يتطرق إلى أي تفاصيل مُحددة حسب الجارديان. وأعلنت المملكة المتحدة أنها ستنقل ٤٩٥ من مكثفات الاكسجين التي يمكنها استخراج الأكسجين من الهواء عند نفاد الأنظمة في المستشفيات، و١٢٠ جهازًا للتهوية غير الغازية إلى دلهي، ومن المحتمل أن ترسل ألمانيا كذلك مولد اكسجين وبعض المساعدات الأخرى.
غير أن ما تحتاجه الهند على الفور هو الامدادات اللازمة لمصانع اللقاحات الخاصة بها، والتي تعوقها حاليًا قيود التصدير الأمريكية، وأدوات مثل التسلسل الجيني لتحديد المتغيرات الحالية والناشئة والتحكم فيها.
في محاولة لمساعدتها على احتواء الأزمة، وعدت الولايات المتحدة بالنشر السريع للعاملين في مجال الرعاية الصحية في الهند. وقالت واشنطن إنها تجري محادثات رفيعة المستوى لتقديم مساعدات إضافية للهنود العاملين في الرعاية الصحية، وإنها تشعر بقلق بالغ إزاء الوضع هناك.
كتب الرئيس الأمريكي جو بايدن – عبر تويتر-: “مثلما قدمت الهند مساعدة للولايات المتحدة عندما كانت مستشفياتنا تعاني ضغطاً هائلاً بفعل الوباء، نحن مصممون على مساعدة الهند في وقت الحاجة“.
قال الدكتور أنتوني فاوتشي، كبير خبراء الأمراض المعدية في الولايات المتحدة، أمس الأحد، إنه يتم النظر في العديد من الإجراءات، بما في ذلك إرسال امدادات الأكسجين والاختبارات والعلاجات الدوائية ومعدات الحماية الشخصية.
ووفقًا للتقييم الحكومي الداخلي، فمن المتوقع أن تبلغ الموجة ذروتها في منتصف مايو المُقبل بوصول عدد الإصابات اليومية إلى نصف مليون حالة.
ونقلت صحيفة إنديان إكسبرس عن المسؤول الذي يقود فريق العمل المعني بمكافحة كوفيد 19، قدّم عرضاً تضمن تلك المعلومات خلال اجتماع مع مودي ورؤساء وزراء الولايات، وقال إن البنية التحتية الصحية في الولايات المكتظة بالسكان ليست ملائمة للتعامل مع هذه الموجة.