أحداث عنف تعيشها القدس منذ ايام، كانت شرارة الانطلاق مع قرار المحكمة المركزية بطرد عائلات في الشيخ جراح من منازلها التي تقيم فيها منذ العام 1956، ما فجر موجة احتجاجات فلسطينية في مدينة القدس.
وكانت ليلة السبت قبل اسبوعين ذروة المواجهات بين القوات الإسرائيلية والفلسطينيين في القدس، وحول المسجد الأقصى، وأثار القمع الذي تعرض له المحتجون الفلسطينيون حفيظة المجتمع الدولي، وسط استنكار إقليمي وعربي شديدين.
إخلاء بقرار قضائي
وبينما تجري المواجهات الدامية تنظر المحكمة العليا بإسرائيل في التماس عائلات فلسطينية ضد قرارات إخلائها من منازلها في الشيخ جراح بالقدس، في مسار قضائي طويل.
وكان مقررا أن تعقد المحكمة الإسرائيلية جلسة للنظر في التماس 4 من تلك العائلات، لكنها تأجلت بطلب من المدعي العام الإسرائيلي إلى غضون شهر.
ويوضح سامي أرشيد، محامي العائلات بحسب تصريحات صحفية سابقة، أنه إضافة إلى طلب الاستئناف المقدم باسم 4 عائلات هناك أيضا طلب استئناف باسم 3 عائلات أخرى تحدد موعد إخلائهم من قبل المحكمة المركزية في شهر أغسطس المقبل.
ويضيف ارشيد أيضا أن 5 عائلات أخرى ما زالت في إجراءات قانونية في محكمة الصلح بالقدس، حيث تواجه قضايا تطالب بإخلائها من منازلها.
معضلة عقود
وتعود فصول معاناة العائلات الفلسطينية في حي الشيخ جراح لعقود؛ منذ انتقلت من يافا عام النكبة الأولى، وحتى بدأ نزاعها المرير مع المستوطنين عام 1972، وما زالت القضية مستمرة دون حل حتى اليوم.
ففي شهر يوليو 1972، ادعت لجنة طائفة السفارديم ولجنة كنيست إسرائيل (لجنة اليهود الأشكناز) أنها تملك أرض الحي منذ 1885.
ومنذ سنوات قليلة توصلت العائلات إلى اتفاق مع الحكومة الأردنية ووكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) للانتقال إلى الشيخ جراح.
ويقول محمد الصباغ – وهو أحد أفراد عائلات الشيخ جراح- في حديث سابق إ ن العائلات تسلمت في عام 1956 منازلها التي ما زالت تقيم فيها حتى الآن.
وإثر ذلك تم إبرام عقد بين وزارة الإنشاء والتعمير الأردنية والعائلات الفلسطينية في نفس العام، والذي من أهم شروطه الرئيسية قيام السكان بدفع أجرة رمزية على أن يتم تفويض الملكية للسكان بعد انقضاء ثلاث سنوات من إتمام البناء، لكن حرب يونيو عام 1967 حالت دون متابعة تفويض الأرض وتسجيلها بأسماء العائلات.
وتبرعت وكالة (الأونروا) بتكاليف إنشاء 28 منزلا مقابل تخلي العائلات عن بطاقة الإغاثة لصالح وكالة الغوث.
وبموجب ذلك قامت وزارة الإنشاء والتعمير الأردنية بتوفير الأرض وبناء المنازل، وتحملت وكالة الغوث تكاليف البناء.
وفورا بدأت بتقديم دعاوى إخلاء لمنازل تقطنها العائلات الفلسطينية بدعوى إقامة المنازل على أرض مملوكة لها، وهو ما تنفيه العائلات الفلسطينية وأيضا الحكومة الأردنية ووكالة (الأونروا).
أمام المحاكم الإسرائيلية
وبدأت المحاكم الإسرائيلية النظر في دعاوى قدمتها الجماعات الإسرائيلية ضد السكان الفلسطينيين.
وفي عام 1976 صدر حكم من المحاكم الإسرائيلية لصالح 4 عائلات فلسطينية ينص على أن العائلات الأربع موجودة بشكل قانوني وحسب صلاحيات الحكومة الأردنية، وأنها غير معتدية على الأرض.
ولكن المحكمة قالت إن الأرض ملكية تعود إلى الجمعيات الإسرائيلية حسب التسجيل الجديد الذي تم بدائرة الطابو الإسرائيلية دون النظر ببينة التسجيل الذي تم عام 1972.
وفي عام 1982 بادرت الجمعيات الاستيطانية بتقديم دعوى ضد 24 عائلة فلسطينية تقطن الحي مطالبة بإخلائها.
وردا على ذلك قامت 17 عائلة بتوكيل محام إسرائيلي للدفاع عنها، حيث استمرت المعركة القانونية دون أن تستطيع الجمعيات الاستيطانية إثبات الملكية، حتى عام 1991.
الصفقة “الخادعة“
وفي ذات العام تم عقد صفقة بموجبها اعترف محامي العائلات الـ17 بتوقيع اتفاق باسم سكان الحي ودون علمهم، تنص على أن تلك الأرض تعود ملكيتها إلى الجمعيات الاستيطانية، وأعطي للاتفاقية المذكورة صيغة قرار.
وبموجب ذلك فقد تم منح أهالي الحي وضعية مستأجرين يسري عليهم قانون حماية المستأجر ولا يمكن القيام بعمليات الإخلاء ضدهم إذا قاموا بدفع بدل الإيجار الذي نص عليها القانون، وكان ذاك في صيف 1991، في المحكمة المركزية في القدس.
هذا الوضع الجديد جعل العائلات الفلسطينية تحت طائلة التهديد بالإخلاء في حالة عدم دفعها الإيجار للجمعيات الاستيطانية.
لكن بعض تلك العائلات لم توكل المحامي الإسرائيلي، بما فيها عائلة الصباغ، ما جعلها تحت طائلة تهديد هذا الاتفاق الذي تم توقيعه دون علم العائلات.
السكان اكتشفوا أن الصفقة “خدعة” أضرت بهم كثيرا وثبّتت الملكية للمستوطنين، وعلى إثر ذلك لم تدفع العائلات الإيجار ومن ضمنها عائلتي حنون والغاوي، لأنها في حال دفعها يعتبر إقرارا منها بملكية الجمعيات الاستيطانية للأرض.
وعام 2008 أخلت المحاكم الإسرائيلية 3 عائلات من منازلها بما فيها عائلة الكرد، وفي العام الموالي طال الإخلاء أيضا عائلتي حنون والغاوي.
وصدرت قرارات من المحاكم الإسرائيلية بإخلاء 12 عائلة من منازلها في حي الشيخ جراح، بينها عائلة الصباغ، التي تم إصدار قرار نهائي بقضيتها عام 2012، لكنها تنظر دعوى في محكمة الصلح بالقدس.
القدس في الواجهة
وأعادت قضية إخلاء منازل العائلات الفلسطينية، والفعاليات المحلية الداعمة لمعاناتها، قضية القدس إلى صدارة جدول أعمال المجتمع الدولي.
وانقسمت القدس لشطرين عقب حرب 1948، وفرضت إسرائيل كامل سلطاتها على الغربي، فيما بقي الشرقي تحت إشراف الأردن حتى احتلاله عام 1967.
وما زالت المعالم العربية واضحة في العديد من المنازل والمباني في أحياء البقعة والطالبية والقطمون والحي اليوناني وحي الألمانية، وجميعها أحياء باتت الآن ضمن منطقة القدس الغربية.
وحتى عام 1948 كانت هذه أحياء فلسطينية وأصبح سكانها الآن لاجئين في أماكن متعددة من العالم، يسكن منازلهم يهود توسعوا في البنيان منذ ذلك الحين.
وما زالت الأحياء هذه تحمل الأسماء ذاتها رغم محاولات إسرائيل الإيحاء وكأنها يهودية.
وفرضت إسرائيل كامل سلطاتها على الجزء الغربي الذي عُرف باسم القدس الغربية، فيما بقي الجزء الشرقي تحت إشراف الأردن حتى احتلاله عام 1967.
وعقب حرب 1948 تم تهجير السكان الفلسطينيين، قسم كبير منهم من المسيحيين، من القدس الغربية، وتحولت إلى منازل أو مؤسسات يهودية بعد وضع الحارس على أملاك الغائبين الإسرائيلي اليد عليها وبيعها ليهود.
المنطقة الحرام.. خط فاصل
باحتلال إسرائيل للقدس الشرقية عام 1967، أصبح خط الهدنة الذي تم ترسيمه عام 1949، أو ما يُعرف بالخط الأخضر هو الخط الفاصل بين شطري المدينة الشرقي والغربي.
وأُطلق على هذا الخط اسم “المنطقة الحرام” حيث كان يحظر التنقل بين شطري المدينة، وتواجدت في المنطقة قوات تابعة للأمم المتحدة لا زال مقرها قائما على جزء مما كان “المنطقة الحرام” حتى الآن.
لكن إسرائيل بعد الاحتلال عام 1967 سارعت مباشرة إلى إزالة المنطقة الحرام؛ ففي صور باهر أقامت مستوطنة “رامات راحيل”، وفي الثوري أقامت حيا سكنيا وفي المكبر وصور باهر أقامت تلبيوت الشرقية وفي شعفاط أقامت مستوطنة وفي الشيخ جراح أقامت 3 فنادق إسرائيلية، لتمسح الخط الأخضر الفاصل بين شطري المدينة بشكل كامل.
ومنذ مفاوضات كامب ديفيد في العام 2000 أصبح الفلسطينيون يقولون إنهم على استعداد للقبول بالقدس الغربية عاصمة لإسرائيل ولكن شريطة أن تعترف الأخيرة بالقدس الشرقية عاصمة لفلسطين.
وكان هذا هو الموقف الفلسطيني الذي طُرح في مفاوضات السلام المتوقفة منذ عام 2014.
ولم تُبق إسرائيل لسكان القدس الشرقية سوى 13% من مساحتها للسكن، أما المتبقي فقد استخدمتها لبناء 15 مستوطنة يقيم فيها أكثر من 220 ألف مستوطن، فيما صنفت مساحات واسعة كمناطق خضراء يمنع البناء عليها.
وكنتيجة لذلك، فإن المعطيات الفلسطينية تشير إلى أن أكثر من 20 ألف وحدة سكنية في مدينة القدس الشرقية مهددة بالهدم بداعي عدم الحصول على رخص بناء من بلدية القدس الغربية.
ويقول مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة إن إسرائيل هدمت 142 منزلا في القدس الشرقية في عام 2017 ما أدى إلى تهجير 233 فلسطينيا مقارنة مع هدم 190 منزلا في المدينة خلال العام 2016 ما أدى إلى تهجير 254 شخصا.
اعتراف غير مسبوق
كان اعتبار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القدس عاصمة لإسرائيل، نهاية العام الماضي، هو الاعتراف الأول من نوعه.
وعرضت روسيا اعتبار القدس الغربية عاصمة لإسرائيل على أن تكون القدس الشرقية عاصمة لفلسطين.
وفي المقابل، فإن دول الاتحاد الأوروبي تقول إن القدس يجب أن تكون عاصمة مشتركة للدولتين، ولم تعترف بالقدس الغربية عاصمة لإسرائيل.
وتقول الدول العربية والإسلامية إنها تريد إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية على حدود 1967، ولكنها لا تعتبر القدس الغربية عاصمة لإسرائيل.