تنظر الحكومة الي الزيادة السكانية علي اعتبار أنها التحدي الأكبر أمام الدولة، وعقبة أمام بناء دولة قوية، كما انها تعوق مسار التنمية، وهو ما يتطلب تضافر كافة الجهود لتحقيق نجاح حقيقي في هذا الملف، باعتباره مسؤولية مجتمعية متكاملة.
فيما ينظر اليه بعض المحللين ان الزيادة السكانية يمكن استغلالها كوقود للتنمية عبر تدريب وتوظيف الموارد البشرية عبر برامج طويلة المدي شرط وعي المواطن يقابله قوة البرامج الحكومية القادرة علي استغلال المورد البشري والقابلة للتنفيذ.
علي الطرف الاخر، يرتفع عدد المواليد في المجتمعات الريفية بشكل مستمر لأسباب ثقافية واجتماعية حيث تلجأ بعض الأسر التي تعانى من الفقر والجهل خاصة في الأرياف والمناطق الشعبية للاعتماد على الأطفال كمصدر دخل لهم، والبعض يلجأ إلى كثرة الإنجاب كي تحتفظ الزوجة بالزوج من خلال تكبيله بالمسؤوليات والرغبة في إنجاب الذكور.
وبين الفرق الثلاثة، الحكومة والتي تبنت سياسة تحديد النسل منذ سنوات بعيدة للحفاظ علي الموارد للأجيال القادمة، والخبراء الذين رأوا في الزيادة السكانية وقود للتنمية، والمواطن، نرصد تحديات قضية الزيادة السكانية وتأثيرها المباشر علي الموارد وكيف يتم استغلالها حال فشلت الدولة في السيطرة عليها.
حملات التوعية
منذ أن سحبت المعونة الأمريكية للسكان فى 2005 أقدامها من تمويل الحملات الإعلامية التى تضمنت رسائل شعبية وأكثر جاذبية وتأثيرا فى الجمهور ما جعلها تستحوذ على عقول البعض عملا بها طيلة السنوات التى كان يتم بثها عبر وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية، لم يتم تمويل أى برامج جديدة حتى حديث الرئيس عبدالفتاح السيسي عن خطورة الزيادة السكانية ومن ثم تبنت عدد من الاجهزة التنفيذية بالدولة حملات للتوعية وربما جاء في خطة الحكومة برئاسة الدكتور مصطفي مدبولي تفاصيل الخطة الشاملة لمواجه خطر الزيادة السكانية وكانت علي النحو التالي :-
– الارتقاء بخدمات تنظيم الأسرة والصحة الإنجابية، خاصة المناطِق الريفية.
– تكثيف الحملات التوعويّة، وربط الدعم النقدي بالالتزام بضوابط تنظيم الأسرة.
– تفعيل برامج محو الأمية وتشغيل الإناث ومنع عمالة الأطفال.
– إعادة صياغة الخطاب الديني لتصحيح الـمفاهيم الخاطئة إدراكًا لخطورة الزيادة السكانية غير الـمُنضبطة.
– توسيع نطاق إتاحة خدمات تنظيم الأسرة والصحة الإنجابية من خلال زيادة تردّد العيادات المتنقلة للمناطق العشوائية والمناطق التي لا تتوفّر بها هذه الخدمات.
– رفع قدرات ومهارات مُقدّمي خدمة تنظيم الأسرة من خلال تطوير مناهج التدريب للأطباء والممرضات.
ومن عناصر الخطة :-
-تفعيل دور الرائدات الريفيات في نشر الوعي الصحي
– تفعيل دور الرائدات الريفيات في نشر الوعي الصحي
– تشجيع قيام الجمعيات الأهلية بدور رئيسي في مجال تقديم خدمات تنظيم الأسرة.
– توسيع نطاق برنامج الحد من الزيادة السكانية «2 كفاية»، والذي بدأ تنفيذه في (10) محافظات بالصعيد مستهدفاً تغطية مليون نسمة، ليشمل محافظات البرنامج كافة، مع الإسراع في تنفيذ المراحل التالية من البرنامج، وما تتطلبه من تجهيزات.
– تفعيل الحوافز الإيجابية على الأسر الصغيرة ضمن برامج التنمية المجتمعية وبرامج مكافحة الفقر والدعم النقدي المشروط، مع اللجوء إلى اتباع أساليب وسياسات أكثر تشدّداً في حالة الأسر التي لا تمتثل لاستهداف تنظيم النسل مثل الحرمان من الدعم النقدي المشروط، أو من الدعم السلعي من واقع متابعة تطوّر أعداد المواليد الجُدُد المسجلين ببطاقات التموين.
– التطبيق الصارم للقوانين التي تمنع تشغيل الأطفال حتى لا يُنظر إليهم كمصدر للدخل، وزيادة مُعدلات تشغيل الإناث وبرامج التدريب التي تُتيح لهن فرص الالتحاق بسوق العمل.
القضاء علي فرص التنمية
وفقًا لرؤية الحكومة فأن الزيادة السكانية وخلال رحلتها الاخيرة التي استقرت عند رقم 100 مليون نسمة في 2019 ويرتفع كل يوم، فأن فرص التنمية مهددة نظرًا لحاجة المواليد الجديدة الي برامج رعاية صحية واجتماعية تتمثل في التعليم والتوظيف وتوفير وحدات سكنية وغيرها من الخدمات التي توفرها الدولة.
وعليه، تلتهم الناتج القومى وتعطل مسيرة التنمية حيث أنها تقلل من فرص العمل أمام الشباب ، كما أنها تمثل شبح يزيد من صعوبة العجز المائى فى مصر ، حيث شهد نصيب الفرد فى المياه تراجع كبير بشكل ملحوظ فبعدما سجل نصيب الفرد فى خمسينات القرن الماضى أكثر من 2000 متر مكعب سنويا نظرا لكون تعداد السكان فى ذلك الوقت نحو 25 مليون مواطن ، إلا أنه تناقصت حصة الفرد بشكل كبير لتصبح حوالى 1500 متر مكعب بسبب الزيادة السكانية، وانخفضت حصة المواطن فى المياة لتصل إلى 800 متر مكعب فى نهاية 2008 مع وصول التعداد السكانى إلى 75 مليون نسمة.
ووفقًا للبيانات الرسمية المتاحة فأن معدل الإنجاب من 18 إلى 49 عام نحو 3.5 طفل أى أن كل 10 سيدات ينجبن 35 طفلا خلال فترة إنجابهن، واستمرار معدلات الإنجاب على هذا الأساس سيضاعف عدد سكان مصر ليصل إلى ما بين 192:191 مليون بحلول 2052، لكن فى حال نجاح خطط التنظيم والوصول لمستهدف طفلين لكل سيدة يصل إلى 141 مليون نسمة فقط، بفارق نحو 50 مليون نسمة، ومضاعفة عدد السكان سيترتب عليه مضاعفة احتياج مصر من الأطباء ليصل إلى 250 ألف طبيب، و4 آلاف مستشفى، وهذه التكلفة تؤثر على نصيب الأفراد من خدمات النقل والتعليم والصحة، حال عدم وجود توازن بين زيادة السكان ومعدلات النمو الاقتصادي، يكفي حصة الفرد من المياه التي تقلصت بشكل كبير مع ثبات حصة مصر من المياه.
ومن الآثار السلبية للتزايد السكاني انخفاض الادخار والاستثمار، والتي يعقبها انخفاض معدل النمو الاقتصادي، والتأثير السلبي علي عملية خلق التراكمات اللازمة لعملية التنمية، لأن ارتفاع عدد السكان يتسبب في ارتفاع عدد المواليد داخل المجتمع، وتكون النتيجة انخفاض نصيب الفرد الواحد، ما يضعف مقدرة الأسر والأفراد علي الادخار وتدني مستوي دخل الأسرة علي عدد أفرادها، ويجعلها لا تفي باحتياجات أفرادها من السلع الاستهلاكية الأساسية، ويكون الادخار ضعيفاً والاستثمار كذلك، وتضعف قدرة المجتمع في المشاريع الاستثمارية.
وقود للتنمية
وفقًا لتصريحات خبراء ومتخصصين في علم الاجتماع وتخصصات مختلفة، فأن الزيادة السكانية يمكن توظيفها بشكل جيد في حال وجدنا الادوات التي تساعد علي خلق برامج قابلة للتنفيذ علي ارض الواقع، وقد تستفيد مصر من الزيادة السكانية في وقت لاحق ولكن ليس الان ومن ثم يجب حصار ظاهرة الزيادة السكانية.
في المقابل، كان للصين تجربة مع الزيادة السكانية حيث كانت سياسة الطفل الواحد التي هدفت للحد من النمو السكاني في الصين قد فُرضت عام 1979، أي بعد عام من الإصلاحات الاقتصادية، وبموجب هذه السياسة تم فرض عقوبات على المخالفين شملت دفع غرامات والطرد من الوظيفة أو مواجهة الإجهاض الإجباري أو الإخصاء، ولكن معدل الإنجاب كان قد تدنى بشكلٍ حاد بالفعل قبل عقدٍ من الزمان.
واستفادت الصين لسنواتٍ من الأرباح الديموغرافية التي تمثلت في عدد سكان هائل (نحو خُمس عدد سكان العالم) شكّل مصدراً كبيراً للقوى العاملة – وأعداداً معقولة من صغار السن والمسنين- التي غذت النمو الاقتصادي المتسارع، الآن يختفي كل هذا سريعاً.
ومن أجل أن تواصل الصين نموها الاقتصادي ودعم المسنين فيها تحتاج إلى زيادة في السكان وليس انخفاضاً، وجاء قرار إنهاء سياسة الطفل الواحد في عام 2015 خدمة لهذه الغاية، إلا أن البيانات تظهر عكس ذلك، فرغم فتح باب الإنجاب، لا يبدو أن الشباب الصيني يرغب في الأطفال.