أجيالاً عدة من المصريين، تعلقت بإنتاج شركتي “قها وادفينا” خصوصا شركة “قها”، التي كانت تغمر السوق المحلية بمنتجاتها من العصائر والمشروبات والمربى بأنواعها حتى فترة غير بعيدة، حيث بدأ نجمها في الأفول مع مطلع الألفية الحالية، نتيجة المنافسة الشرسة مع شركات القطاع الخاص. الأمر الذي أسقطها في بئر الخسائر لتقادم معداتها.
يعود تاريخ الشركتين العريقتين، إلى خمسينيات القرن الماضي مع تولي الرئيس الراحل جمال عبد الناصر حكم مصر عقب ثورة 23 يوليو (تموز) 1952، حيث كانت فكرة تأسيس الشركات القومية الوطنية، التي تملكها الدولة وتديرها بشكل كامل، هي الشغل الشاغل لتلك المرحلة.
وسادت الفكرة كل القطاعات الاقتصادية بالدولة، سواء الصناعات المعدنية، حيث تم تأسيس مجموعة من الشركات، على رأسها “الحديد والصلب”، و”مصر للألمونيوم”، وكذلك قطاع الغزل والنسيج، بتأسيس عدد من الشركات على رأسها “المحلة للغزل”، وأيضا بقطاع الأغذية والمشروبات، وجرى تأسيس شركتي “قها” و”إدفينا“.
إلا أن أغلب الشركات التي أُسست في العهد الناصري، عانت مع تغير النظام الاقتصادي التي انتهجته مصر عقب وفاة عبد الناصر، خصوصاً أن هذا التغيير أدى لتكبد هذه الشركات خسائر متتالية استمرت لأعوام طويلة. الأمر الذي اضطر الدولة لتنفيذ برنامج موسع للتخلص من الشركات الخاسرة، باعتبارها عبئاً على الاقتصاد المحلي، الذي عرف ببرنامج “الخصخصة”، وبدأ في مطلع التسعينيات، واستمر إلى عام 2010.
شركتي “قها”، و”إدفينا”، كانتا تابعتين للقطاع الخاص في فترة ما قبل الخمسينيات، وقد دخلتا ضمن الشركات التي تم تأميمها عقب تأميم “قناة السويس” عام 1956، إذ بدأت الحكومات التي أعقبت فترة التأميم في تطوير الشركتين بشكل كبير، حتى استطاعتا السيطرة على قطاع الأغذية والمشروبات في مصر والدول العربية، ومنطقة الشرق الأوسط بالكامل من فترة الستينيات، وحتى منتصف التسعينيات من القرن العشرين.
النظام الاقتصادي في مصر آنذاك، ساعد “قها” و”إدفينا” على الاستحواذ على قطاع الأغذية والمشروبات، حيث كانت مصر تتبع نظاماً اقتصادياً اشتراكياً، ذا تخطيط مركزي احتكاري، يمنع دخول شركات القطاع الخاص في منافسة الشركات الوطنية، بخاصة في القطاعات الاقتصادية الرئيسة، مثل: الغزل والنسيج، والحديد والصلب، والأغذية والمشروبات، والتبغ والدخان.
النظام ساعد الشركتين على التوسع بشكل كبير، حتى بدأت شركة “قها”، في تصنيع الوجبات الساخنة الطازجة المطبوخة، وكانت الشركة تصنع وجبات من الخضار، واللحم المحفوظ، وأصبحت هي المورد الرئيس للجيش المصري في حرب يونيو عام 1967، ثم في حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، ثم بدأت في تقديم الوجبات ذاتها إلى الدول العربية، نظراً للطبيعة الصحراوية التي تغلب على مناخ الأغلبية من هذه الدول، علاوة على المذاق الجيد للخضراوات المصرية، التي تمتع بمذاق يجذب المستهلك العربي حتى الآن”.
ثم جاءت ثورة التصحيح والانفتاح الاقتصادي، التي اعتمدها الرئيس الراحل محمد أنور السادات، اعتباراً من 1974، سمح للقطاع الخاص بأن يدخل بشراسة في منافسة الصناعات الوطنية، فلم تتحمل شركاتها، ذات النزعة الاحتكارية، مجابهة قدرات القطاع الخاص الرأسمالية والتسويقية، بالتزامن مع تهالك وتقادم معداتها، لتسقط في بئر الخسائر، وتفقد القدرة على المنافسة والاستمرار.
وفي عام 1991، ومع بداية تنفيذ برنامج الخصخصة عرضنا شركتي قها، وإدفينا للتقييم والبيع، وتم طرحهما أكثر من مرة، ولم يتقدم أحد بعرض مناسب لشرائهما. وتقدم مستثمر في عام 1999 بعرض لشراء شركة قها بسعر أعلى من سعر التقييم وما حدث بعد ذلك، هو أن المستثمر تعثر في سداد قيمة الصفقة لعدة سنوات، مما أجبر الحكومة المصرية على استردادها من جديد بعد معركة قضائية.
شركة “قها” أُنشئت في عام 1940، وبدأت بمصنع واحد فقط تحت مسمى “المصنع المصري للأغذية”، ثم في عام 1962 تم تأسيس شركة مساهمة باسم “النصر للأغذية المحفوظة”، انضمت إلى قطاع الأعمال المصري في 1991، تحت اسم “قها للأغذية“.
وحول شركة “إدفينا”، “أُنشئ مصنع الشركة الأول بمحافظة دمياط، على الساحل الشمالي الشرقي لمصر في 1960 خلال عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. وتم تدشين مصنعين في محافظتي الإسكندرية وبورسعيد، استغلالاً لموقعهما مع دمياط، على ساحل البحر المتوسط، في نشاط الصيد، الذي يسهل عملية تصنيع الأسماك المعلبة المحفوظة.
وانطلاقًا من دور الدولة لتطوير الشركتين، نشرت الوقائع المصرية، ملحق الجريدة الرسمية، قبل ايام قرار الشركة القابضة للصناعات الغذائية التابعة لوزارة التموين والتجارة الداخلية، بموافقة الجمعية العامة غير العادية لشركة قها للأغذية على دمج شركة إدفينا المحفوظة في كيان واحد تحت اسم شركة قها للأغذية المحفوظة.
ونص القرار على اعتماد تقرير اللجنة المشكلة بقرار وزير التموين رقم 27 لسنة 2015 بشأن التحقق من صحة إجراءات قواعد التقييم لتحديد صافي أصول شركتي قها وإدفينا، والمنتهي إلى تقدير القيمة الدفترية لشركة قها وحقوق ملكيتها فى 30 يونيو 2020 إلى إجمالي أصول تقدر بقيمة 20 مليونا و243 ألفا و349 جنيه، وإجمالي التزامات بقيمة 445 مليونا و282 ألفا و186 جنيه، وإجمالي حقوق ملكية 242 مليونا و851 ألفا و837 جنيه.
كما نص على تعديل القيمة الأسمية للسهم لتصبح 5 جنيهات بدلا من 10 جنيهات وإجراء التسويات المحاسبية اللازمة لأسهم الشركة المستثمرة في رأس مال إدفينا للأغذية المحفوظة، والبالغ عددها 112 سهم.
ونص القرار أيضًا على الموافقة على تعديل رأس مال الشركة المرخص ليصبح 180 مليون جنيه، وحدد رأس مال الشركة المصدر والمدفوع بمبلغ 144373180 موزعًا على 28874636 سهم قيمة كل سهم 5 جنيها.
كما تضمن القرار أن جميع أسهم الشركة اسمية وقابلة للتداولة ببورصة الأوراق المالية.
فيما اعلن السفير بسام راضي المتحدث الرسمي لرئاسة الجمهورية قبل ايام عن وجود خطة واضحة لتطوير شركتي قها وادفينا للعودة الي سابق عهدهما.