تزايدت المخاوف مؤخرا، مع مشاهد أرفف المتاجر الخاوية في الولايات المتحدة وبريطانيا وإيقاف شركات مثل ماكدونالد وستارباكس وغيرها بعض منتجاتها، من أن تتطور اضطرابات سلاسل التوريد إلى أزمة أمن غذائي، في ظل التحديات التي تواجهها شركات الأغذية لتوفير المواد الأولية والإمدادات الرئيسية، حيث اظهرت الصور انتظار السفن لفترات طويلة لإفراغ أو تحميل شحنتها بخلاف وجود عجز في قائدي الشاحنات كل ذلك يفاقم الصعوبات التي تواجه سلسلة الإمدادات العالمية في الوقت الحالي.
بداية الازمة
فرض الانتشار السريع لفيروس كورونا إغلاق واسع النطاق للصناعات في جميع أنحاء العالم، وبطبيعة الحال، كان الطلب من المستهلكين ضعيفا والنشاط الصناعي منخفضا في ظل القيود.
لكن، مع تزايد أعداد المطعمين ضد “كوفيد 19” وتسارع وتيرة توزيع اللقاحات المضادة، بدأ الاقتصاد العالمي يتعافى – وإن كان بطيئا حتى الآن – من التداعيات السلبية للوباء والقيود المصاحبة له.
وهذه المرحلة التي تاق إليها المراقبون الاقتصاديون، تسلط الضوء على أزمة أخرى قد تكون مربكة لهذا التعافي وينتج عنها تداعيات سلبية جديدة، ألا وهي “تعطيل سلاسل التوريد العالمية”، حسبما ذكر تقرير لشبكة “سي إن بي سي”.
ومع رفع الإغلاق، زاد الطلب بشدة، لكن سلاسل التوريد التي تعطلت خلال الأزمة الصحية العالمية تواجه تحديات ضخمة وتكافح من أجل التعافي الكامل.
وأدى ذلك إلى فوضى بالنسبة لمصنعي وموزعي السلع الذين لا يستطيعون العودة إلى مستويات الإنتاج والتوريد في فترة ما قبل الجائحة لأسباب مختلفة، بما في ذلك نقص العمال ونقص المكونات الأساسية والمواد الخام.
على سبيل المثال، أثر نقص الطاقة في الصين على الإنتاج في الأشهر الأخيرة، وفي المملكة المتحدة، تسبب “بريكست” في نقص حاد في سائقي الشاحنات، وأيضا تكافح الولايات المتحدة وألمانيا نفس المشكلة، فيما تتكدس البضائع في الموائئ الأمريكية ضمن قائمة انتظار طويلة.
الوضع “يزداد سوءا“
يقول المحلل لدى “موديز آناليتكيس” للتحليلات المالية والاقتصادية تيم وي، إن مشاكل سلسلة التوريد “ستزداد سوءا قبل أن تتحسن“.
وقال وي “مع اكتساب الانتعاش الاقتصادي العالمي المزيد من الزخم، فإن ما يتضح بشكل متزايد هو أنه سيتم إعاقته بسبب اضطرابات سلسلة التوريد التي تظهر الآن في كل زاوية“.
وتابع “ضوابط الحدود والقيود على التنقل، وعدم توافر تصريح عالمي للقاح، والطلب المكبوت الناتج عن البقاء في المنزل، كلها تضافرت لتشكل عاصفة كاملة ستعطل الإنتاج العالمي لأن عمليات التسليم لا تتم في الوقت المناسب، وسترتفع التكاليف والأسعار، ونمو الناتج المحلي الإجمالي في جميع أنحاء العالم لن يكون قويا نتيجة لذلك“.
أردف: “من المحتمل أن يلعب العرض دورا في تعزيز الأزمة، خاصة أن هناك اختناقات في كل حلقة من سلسلة التوريد، مثل العمالة وأيضا الحاويات والشحن والموانئ والشاحنات والسكك الحديدية والجو والمستودعات“.
تسببت الاختناقات التي تعاني منها سلسلة التوريد – الازدحام والانسداد في نظام الإنتاج – على قطاعات خدمات وحتى سلع مختلفة، بما في ذلك نقص الإلكترونيات والسيارات ومشاكل في إمدادات اللحوم والأدوية والمنتجات المنزلية.
من يدفع الثمن؟
في ظل تزايد الطلب على السلع الاستهلاكية الناقصة، ارتفعت أسعار الشحن للبضائع القادمة من الصين إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، وأدى النقص في سائقي الشاحنات في كلتا المنطقتين الأخيرتين إلى تفاقم مشكلة وصول البضائع إلى وجهاتها النهائية.
وتصطف السفن، خارج الموانئ الأمريكية بانتظار تفريغ البضائع، والتضخم الاستهلاكي الأمريكي ظل مرتفعا في سبتمبر الماضي.
كما ارتفعت أسعار النفط العالمية أكثر من 80% للبرميل الواحد، وهو الأعلى منذ سنوات بينما يمكن أن تضطر العائلات البريطانية، للاستغناء عن الديك الرومي في عشاء عيد الميلاد.
كما أدى ذلك إلى ارتفاع الأسعار بمجرد وصول هذه المنتجات إلى أرفف المتاجر (السعر النهائي للمستهلك). لقد ساعد الوباء فقط في تسليط الضوء على مدى ترابط سلاسل التوريد العالمية وأيضا مدى عدم استقرارها.
في أفضل حالاتها، تعمل سلاسل التوريد العالمية على خفض التكاليف للشركات وهو بطبيعة الحال ما يستفيد منه المستهلك النهائي، وذلك نظرا لانخفاض تكاليف العمالة والتشغيل المرتبطة بالشركة المصنعة للمنتجات التي يريدونها، كما يمكن أن تحفز الابتكار والمنافسة.
لكن الوباء سلط الضوء على نقاط الضعف العميقة في هذه الشبكات، حيث تبين أن الاضطراب في جزء واحد من السلسلة يؤثر بشكل واسع النطاق على جميع أجزاء السلسلة بكل مشتملاتها من شركات مصنعة وموردين وموزعين، بما يؤثر في النهاية على المستهلكين والنمو الاقتصادي.
ماذا يتضرر الاقتصاد؟
مع محاولة الاقتصادات الوقوف على قدميها، يتوق المواطنون المرهقون بالقيود الوبائية إلى الإنفاق مرة أخرى، لكنهم يفاجؤون بعدم توافر السلع أو ارتفاع أسعارها، وهنا برزت أزمة سلسلة التوريد كواحدة من أكبر التحديات التي تواجهها الحكومات الآن.
و الأسبوع الماضي، حذر مسؤولون أمريكيون أن المواطنين قد يواجهون ارتفاعا في الأسعار ورفوفا خاوية في موسم الأعياد القادم، مشيرين إلى محاولة إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تخفيف العوائق في الموانئ.
وتعاني الصين وأوروبا أيضا من مشاكل النمو على خلفية مشكلات سلسلة التوريد، واليوم الإثنين، أظهرت البيانات الرسمية أن الناتج المحلي الإجمالي للصين في الربع الثالث من العام نما بنسبة 4.9% مقارنة بتوقعات بلغت 5.2%، فيما نما النشاط الصناعي في سبتمبر/ بنسبة 3.1% مقارنة بتوقعات 4.5%، والسبب الأساسي هو “مشكلات سلسلة التوريد“.
فيام حذر كبار الاقتصاديين الألمان، الأسبوع الماضي، من أن “اختناقات العرض ستستمر في إلقاء العبء على الإنتاج الصناعي في الوقت الحالي” ومن المرجح أن تعيق النمو في ألمانيا، أكبر اقتصاد في أوروبا.
تحذيرات دولية
حذر خبراء وكالة موديز من أن الوضع قد “يزداد سواء قبل أن يشهد تحسنا”، الأمر الذي قد يتسبب في رفع الأسعار للمستهلكين أو ما يعرف بالتضخم، إضافة إلى أنه يبطئ الانتعاش الاقتصادي العالمي .
هذا التحذير أكدته موديز في تقرير صادر عنها حديثا قالت فيه إنه مع استمرار اكتساب الانتعاش الاقتصادي العالمي لمزيد من الزخم، فإنه يتضح بشكل جلي أن هذا الأمر قد يشهد إعاقة “بسبب اضطرابات سلسلة التوريد التي تظهر الآن في كل زاوية“.
واعتبرت موديز أن “الحلقة الأضعف” قد تكون نقص سائقي الشاحنات – وهي مشكلة ساهمت في الازدحام في الموانئ وتسببت في اختفاء الوقود بالمحطات في المملكة المتحدة.
ومن جانبها ،قدمت شركة “أيكيا” السويدية العملاقة للمفروشات المنزلية نظرة قاتمة لصناعة التجزئة، قائلة إنها تتوقع أن يظل النقص الناجم عن أزمة سلسلة التوريد يمثل مشكلة حتى منتصف عام 2022.
وقال جون أبراهامسون رينغ، الرئيس التنفيذي لـ”إنتر أيكيا”، مانحة الامتياز العالمي للعلامة التجارية، في مقابلة: “أصبح التحدي الأكبر هو الحصول على المنتجات من الصين، حيث أصبحت القدرة محدودة للغاية“.
وتسبب النقص في حاويات النقل والموانئ المغلقة في تعقيد الخدمات اللوجستية بالنسبة لتجار التجزئة في جميع أنحاء العالم.