ارتفعت أسعار الأسمدة المدعمة واختلفت الآراء بين مؤيد ومعارض لهذا الارتفاع إلا أنه قولًا واحدًا سيرفع من أسعار المنتجات الزراعية في الفترة المقبلة، حيثُ أفصحت وزارة الزراعة، أنها ملتزمة بموعد تطبيق قرار مجلس الوزراء بزيادة أسعار الأسمدة المدعمة، وسيتم تحريك سعر الطن من 3290 إلي 4500 جنيه والشيكارة من 165 جنيها إلي 225 جنيها بزيادة 36% تقريبا.
أزمة عالمية
قفزت أسعار اليوريا، وهو سماد شائع قائم على النيتروجين، أوائل سبتمبر الماضي إلى أعلى مستوى منذ 2012 في نيو أورليانز، مركز تجارة الأسمدة الرئيسي في الولايات المتحدة، كما أصبح سماد قائم على الفوسفات يعرف باسم “داب” هو الأغلى في تلك السوق منذ 2008، حسبما أظهرت بيانات “بلومبرغ“.
قال أليكسيس ماكسويل، المحلل في “غرين ماركتس” وهي شركة مملوكة لـ “بلومبرغ”: “مع استمرار ارتفاع أسعار الأسمدة، سيقوم المزارعون إما بخفض الاستخدام، أو خفض الأسمدة بالكامل على أمل انخفاض الأسعار في المستقبل، أو تقليص المنتجات الزراعية الأخرى تحت حساب الإنفاق الأكبر المتوقع”.
وأضافت أن البعض يتردد قبل الشراء لموسم الزراعة المقبل على أمل انخفاض التكاليف، وهذه مخاطرة لأن الأسعار قد تستمر في الارتفاع.
وبالفعل، ينفق المزارعون الذين يزرعون الذرة وفول الصويا والحبوب الأخرى التي تُستخدم في إنتاج الماشية وتذهب لمصانع الأغذية المعبأة أكثر من المعتاد على البذور والعمالة والنقل والمعدات، وقد تسبب ذلك في تضخم حاد في أسعار المواد الغذائية خلال العام الماضي.
ويقترب مقياس الأمم المتحدة لأسعار الغذاء العالمية من أعلى مستوياته منذ عقد، وهي مشكلة يمكن أن تتفاقم نتيجة ارتفاع أسعار الأسمدة.
“تعتبر تكلفة الأسمدة من أكبر العوامل الدافعة لتضخم أسعار الغذاء العالمي حالياً، إذ إن أسعار جميع المغذيات من المجموعات الثلاث – البوتاس والفوسفات والنيتروجين – وصلت إلى مستويات لم نشهدها منذ حوالي عقد من الزمان”، وفقاً لما قالته المحللة إيلينا ساكنوفا، من “في تي بي كابيتال” في موسكو، في مقابلة.
عوامل معاكسة
ويقف تضافر الأحداث وراء ارتفاع الأسعار وأعاقت العواصف المتتالية في أواخر الصيف على ساحل الخليج الأمريكي الأسمدة من الدخول والخروج وأُغلقت المصانع مؤقتاً في المنطقة، بما في ذلك أكبر مجمع لإنتاج أسمدة النيتروجين في العالم، والمملوك لشركة “سي إف إندستريز هولدينغز“.
ثم أُجبرت الشركة بعد ذلك على إغلاق مصنعين في بريطانيا بسبب الارتفاع القياسي في أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا، وهو المادة الأولية لأغلب سماد النيتروجين المنتج على مستوى العالم.
وقالت شركة “يارا إنترناشيونال”، إن ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي سيجبرها على تقليص حوالي 40% من طاقتها الإنتاجية الأوروبية من الأمونيا المستخدمة في صناعة الأسمدة.
نقص العمالة
تواجه الشركات اللوجستية التي تنقل الأسمدة أيضاً نقصاً في العمالة وارتفاعاً في الأسعار، ما يزيد التكاليف.
قال بيل سترينغفيلو، الذي يشارك في إدارة مشروع صغير يسمى “كويست برودكتس” (Quest Products)، والذي يساعد في طرح منتجات جديدة في السوق، بما في ذلك مبيدات الآفات ومنتجات الأسمدة: “من المؤكد أنها (المشكلات اللوجستية) جعلت الأمور أكثر صعوبة بشكل كبير“.
وأضاف أن الشحن يمثل حوالي 15% من تكلفة شراء المنتج لأعمالهم، واصفاً ذلك بأنه “كابوس كامل“.
أيضاً تلعب الإجراءات الحكومية دوراً. وفي وقت سابق من العام الجاري، فرضت الولايات المتحدة وأوروبا عقوبات على شركة “بيلاروسكالي”، وهي منتجة رئيسية للبوتاس وواحدة من أكبر الشركات المملوكة للدولة في بيلاروسيا، رداً على اعتقال صحفي على متن طائرة تابعة لشركة “رايان إير” في مايو.
وفي الصين، أمرت مقاطعة يونان بتخفيضات الإنتاج عبر العديد من الصناعات، بما في ذلك الأسمدة، كجزء من تدابير للحد من استهلاك الطاقة والانبعاثات.
تشديد حكومي
وتعهدت اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح في الصين باتخاذ إجراءات صارمة ضد اكتناز اليوريا والتلاعب في الأسعار للحفاظ على استقرار السوق، ولكن الأسعار لا تزال في ارتفاع كبير.
ارتفعت العقود الآجلة لليوريا في بورصة تشنغتشو للسلع إلى مستوى قياسي جديد نتيجة ارتفاع أسعار الفحم – كمادة أولية للأسمدة النيتروجينية في الصين – والمخاوف بشأن شح الإمدادات.
الأزمة داخل مصر
كشف الدكتور عباس الشناوي رئيس قطاع الخدمات الزراعية بوزارة الزراعة، كواليس المنظومة الجديدة للأسمدة التي حددها مجلس الوزراء وارتفاع أسعار الأسمدة المدعمة، حيثُ أن منظومة الأسمدة الجديدة التي حددها مجلس الوزراء سوف تحدث توازن كبير بالقطاع الزراعي بعد ارتفاع أسعار الأسمدة عالميًا وكذلك سعر الغاز.
وقال الشناوي خلال تصريحات، إن الأسباب الحقيقة وراء ارتفاع أسعار الأسمدة المدعمة، ارتفاع أسعار الأسمدة والغاز عالميًا والمستلزمات الزراعية، لافتا: مصر ليست في معزل عن العالم وبطبيعة الحال فإنه لا بد من رفع أسعار الأسمدة في مصر.
وأضاف الشناوي، أن سعر طن الأسمدة عالميا وصل 14000 جنيه، وبالتالي أُضيفت على مصانع الأسمدة أعباء التصنيع بسبب غلاء مدخلات الإنتاج، حتى أن تكاليف إنتاج المصانع للأسمدة المدعمة أكثر من سعرها الذي نحصل عليها، إذ نحصل على الطن بـ 3000 جنيه.
وتابع: «يهمنا عدم خسائر وإفلاس مصانع الأسمدة أو الابتعاد عن هذا النشاط لأنهم مستثمرين، لذا كان لا بد من الاعتدال بين الإنتاج الزراعي والصناعي داخل الدولة المصرية واتخاذ قرار رفع الأسمدة بما يحافظ على الدعم المقدم للفلاح وحماية صناعة وطنية داخل الدولة فجاء قرار الحكومة برفع سعر طن الأسمدة من 3000 جنيه لـ 4500 جنيه وهذا السعر يعد قليلا بالنسبة لسعر الأسمدة عالميًا بفارق يصل من 8 لـ 9 الألاف جنيه.
وقال الدكتور عباس الشناوي، إن قرار رفع أسعار الأسمدة المدعمة حكيم يتماشى مع متغيرات العالم ويحافظ على المواطن المصري وبه ارتياح للفلاح؛ لإن سعر الشكارة يتخطى الـ 500 جنيه عالميا، وبالتالي يكون هناك عملية توازن بين الإنتاج الزراعي والصناعي وحتى تكون مصر دولة جاذبة للاستثمار الخارجي وليست طاردة للاستثمار.
أما عن أعباء الفلاح، أشار إلى أن زيادة تكلفة الفدان زادت بمقدار 200 جنيه فقط، ولا يعد هذا مبلغا كبيرا وعلى الفلاح مقارنته بالأسعار العالمية.
منظومة الأسمدة الجديدة
من جانبه كشف الدكتور سيد خليفة نقيب الزراعيين، عن ملامح منظومة الأسمدة الجديدة التي أعلن عنها مجلس الوزراء، التي تلزم شركات الأسمدة بتوريد 65% من الأسمدة للسوق المحلي كما سيتم السماح لهم بتصدير الـ35% بضوابط معينة.
وأشار خليفة خلال تصريحات، إلى أن منظومة الأسمدة الجديدة جيدة وستحل جزءا كبيرا من أزمة الأسمدة ولكنه يتوقف على مدى التزام شركات الأسمدة بهذا الاتفاق، لافتا: إذا استمرت الشركات بالمماطلة كما حدث في الأول عندما كانوا ملتزمين بتوريد بـ 55% فقط سيظل الوضع كما هو.
أما عن ارتفاع أسعار الأسمدة المدعمة، لفت: «سيرفع تكاليف الإنتاج وبالتالي زيادة أسعار المنتجات الزراعية بالأسواق، مما سيضيف عبئا جديدا على أهالينا المزارعين وخاصة صغار الفلاحين ومن يمتلك حيازة زراعية صغيرة وعلى المواطن أيضا.
وأكد الدكتور سيد خليفة، أن أي سلعة لها سعرين «السعر المدعم – وسعر السوق السوداء» لا بد أن يحدث بها مشكلة وأزمات، مقترحًا حل لأزمة الأسمدة التي تحدث طوال العام بأنه لا بد من تحرير سعر الأسمدة.
من جانبه قال حسين عبد الرحمن أبو صدام نقيب عام الفلاحين، في أول رد فعل على إعلان وزارة الزراعة زيادة أسعار الأسمدة المدعمة إلى 4500 بدلا من 3290 بزيادة نحو 1210 جنيهات في الطن، أن هذا القرار كان متوقعا بعد زيادة أسعار الغاز على مصانع الأسمدة، لافتا أن «ارتفاع أسعار الأسمدة سيزيد الأعباء على المزارعين».
وأضاف أبو صدام أن شركات الأسمدة الأزوتية ملزمة بتوريد 55% من إنتاجها بسعر التكلفة لـ الجهات المسوقة لتوزيعها كسماد مدعم على الفلاحين، وهو يقارب 4 ملايين طن سنويًا وكان يسلم للفلاحين بسعر 164.5 لشيكارة اليوريا و159.5 لـ شيكارة النترات وبعد زيادة أسعار الغاز على مصانع الأسمدة فإن سعر التكلفة الآن نحو 225 جنيها للشيكارة وهذا سبب ارتفاع أسعار الأسمدة المدعمة.
وأشار إلى أن الحكومة وفي إطار تخفيف صدمة ارتفاع أسعار الأسمدة على الفلاحين ألزمت شركات الأسمدة بالإضافة إلى توريد 55% من إنتاجها بسعر التكلفة للجهات المسوقة بطرح 10% من إنتاجها بالسوق الحر بسعر 255 جنيها للشيكارة، بانخفاض عن سعر الشيكارة حاليا بالسوق الحر بنحو 200 جنيه تقريبا، حيث تصل سعر الشيكارة في السوق الحر إلى نحو 450 جنيها.