تداول مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة فيديو راقص لبضْع معلمي إحدى مدارس محافظة الدقهلية، وبين مستنكر لما تضمنه الفيديو من حركات مستفزة لأحدى المعلمات وبين من تمسك بإطلاق الحرية الشخصية للمعلمة في أفعالها خارج مقر العمل، رأينا أن ننتظر الوقت ملائماً للحديث حول المسئولية التأديبية للمعلمة الراقصة لاسيما عقب هدوء عاصفة التريند المصاحبة للواقعة.
والوقوف على الأمر يتعين تأصيل ماهي الجريمة التأديبية وهل ما تضمنه الفيديو يشكل جريمة تأديبية؟
ثم هل ينحصر نطاق السلوك المجرم على دائرة عمل الموظف أم يمتد لحياته الشخصية؟
تعددت المفاهيم الفقهية للجريمة التأديبية، فمن الفقه من عرف الجريمة التأديبية بأنها كل اعتداء مباشر أو غير مباشر على المصلحة المشتركة للهيئة وليس من الضروري أن يكون هذا الخطأ جريمة معاقباً عليها قانوناً، بل يكفي أن يقع من الموظف أي إخلال بواجبات الوظيفة أو خرق لقوانينها، أو مساس بكرامتها، بشرط أن يقع هذا أثناء تأدية الوظيفة أو بكيفية تؤثر في أدائها، ولا يشترط أن يكون هذا الخطأ متصلاً بالعمل الرسمي وحده، بل ولو من الأفعال التي تقع في الحياة الخاصة للموظف أو تمس اعتباره بما يعد خطأ مستوجبا للمؤاخذة التأديبية
في حين رأى العميد الدكتور سليمان الطماوي في مؤلفه قضاء التأديب أن الجريمة التأديبية هي كل فعل أو امتناع يرتكبه العامل ويجافي واجبات منصبه.
هذا من الجانب الفقهي أو من الجانب القضائي فقد استقرت المحكمة الإدارية العليا على أن الجريمة التأديبية مردها بوجه عام إلى إخلال الموظف بواجبات وظيفته والخروج على مقتضياتها وبعبارة أخرى هي كل عمل إيجابي أو سلبي يقع من الموظف عند ممارسته أعمال وظيفته إذا كان ذلك لا يتفق وواجبات وظيفته.
واستعراض النصوص التشريعية المنظمة لسلوك الموظف العام نجد أن المادة رقم 58 من القانون رقم 81 لسنة 2016 بشأن إصدار قانون الخدمة المدنية لسنة 2016 – بوصفه الشريعة العامة للموظف العام – تنص على أن ” كل موظف يخرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته، أو يظهر بمظهر من شأنه الإخلال بكرامة الوظيفة يجازى تأديبياً، “وهو ذات ما كان مقرر بموجب المادة رقم 78 من القانون رقم 47 لسنة 1978بشأن إصدار قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة قبل إلغاءه.
وبذلك يكون جَلِيّاً للقارئ إن الأفعال التي تضمنها الفيديو تشكل بما لا يدع مجال للشك خروجاً وانتهاكاً لكرامة الوظيفة العامة بصفة عامة ووظيفة المشاركين في الأفعال المؤسفة بصفة خاصة بحكم انتماءهم لمهنة سامية تلعب دور بارز في تشكيل اخلاقيات وثقافة النَشْء
أما فيما يخص بالشق الثاني فأن الفعل الصادر من المشاركين في الفيديو الراقص وإن تم خارج النطاق الزماني والمكاني للوظيفية إلا أن الجزاء التأديبي ينصب على ذلك الجرم لما في الفعل من تأثير في الثقة والاعتبار اللازمين في شغل الوظيفة العامة بوجه عامة وفي شغل وظيفة المعلم بوجه خاص وهو ما كان جَلِيّاً من تفاعل المجتمع المصري مع الفيديو وكيف كان تسليط الضوء دوماً على وظيفة الراقصة لما رآه المجتمع من شذوذ لا يتفق ومهنتها.
هذا ومن المستقر عليه قضائياً مؤاخذة الموظف عما يقع منه خارج نطاق عمله الحكومي تأديبياً باعتبار ان المخالفة التي يرتكبها في هذا الخصوص تعد إخلالاً بواجبات وظيفته بما يبرر توقيع الجزاء التأديبي عليه، لأن سلوك الموظف وهو في غير نطاق الوظيفة يعكس أثره على سلوكه العام في مجال الوظيفة من حيث الإخلال بكرامتها ومقتضياتها ووجوب أن يلتزم في سلوكه مالا يفقده الثقة والاعتبار.
ومما لا شك فيه ان الأفعال التي تضمنتها مشاهد الفيديو الراقص تحمل في ثناياها ظاهراً وباطناً انحرافاً اخلاقياً فادحاً يمس السلوك القويم وحسن السمعة ويؤثر تأثيراً سيئاً على الوظيفة التي تشغلها صاحبته وعلى كرامتها واعتبارها ويقلل من الثقة فيها وفي شاغلها وهو الأمر الضار بالمصلحة العامة التي يحرص المشرع على إحاطتها بسياج من الاحترام الذي لا يمكن ان يتحقق وشاغل الوظيفة على درجة مؤسفة من تدهور الخلق ومخالفة الشرع والدين، فإذا قبل لنفسه هذا الموقف المعيب، فإنه يكون قد خرج على مقتضيات الوظيفة بالتفريط في أعز ما يجب أن يتحلى به الموظف من جميل الخصال.