رحلة عطاء طويلة من النجاحات والرواج شهدها سوق منتجات الشركتين الوطنيتين «قها» و«إدفينا».. لكن بعدها حلت فترة كساد تراجع فيها رواح وإنتاج وتسويق هذه المنتجات الوطنية مقارنة بفترة انتشارها بالمجمعات والأسواق، إلى أن تعثرت الرحلة ورفعت الشركتين الراية البيضاء أمام المنتجات المنافسة، وأصبح القطاع الخاص المنافس بقوة أمام هذه المنتجات الوطنية رغم جودتها العالية وأسعارها المناسب مقارنة بأسعار هذه المنتجات الجديدة الأخرى.. ومع مرور الوقت انشغل المستهلك فى مصر مع كل ما هو جديد من منتجات حديثة، وعبوات ملفتة للنظر وتغيرات فى الأطعمة والعبوات.. لكن ظلت منتجات هاتين الشركتين الوطنيتين على شكلها القديم دون جديد، أو مواكبة للحداثة فى الشكل وأذواق المستهلكين من الأطعمة الجديدة، مما أثر على سمعتها وساهم فى تراجع سوقها وتعثر رحلتها إلى التنمية.
ولا ننسى ما حدث وقت أحداث حرب أكتوبر عام 1973 الذى عاصره جيل العظماء، فقد كان لمنتجات هاتين الشركتين الوطنيتين «قها» و«إدفينا» دعم الاحتياجات الغذائية لجنودنا البواسل على الجبهة وقت حربى الاستنزاف ونصر أكتوبر المجيد، خاصة مع تعدد منتجات الشركتين منها المربى والعصائر ومعلبات التونة ومعلبات الفول والمخللات وصلصة الطماطم، وهى منتجات كانت رائجة فى السوق المحلي، منذ أن تأسست شركة قها فى 1940 بمحافظة القليوبية.
الحكومة المصرية بدأت بعد عام 2014 التفكير بجدية فى إعادة النظر فى إحياء هذه المنتجات الوطنية، وتطوير مصادر إنتاجها، حيث بدأت وزارة التموين بتكليفات من الرئيس عبد الفتاح السيسى إعداد رؤية واضحة للوضع الحالى لهاتين الشركتين، وقد انتهت وزارة التموين من إعداد دراسة جدوى للشركتين تزامنا مع الضوابط التى وضعتها الدولة المصرية الفترة الأخيرة للارتقاء بجودة المنتج الغذائي، والتوسع فى الزراعات النظيفة لزيادة أسواقها حول العالم، خاصة وأن المواطن المصرى يعتمد وبشكل أساسى على جميع الصناعات الغذائية فى كل وجباته الأساسية.
الدراسات المعنية بهذا الشأن أوصت بأهمية تحويل شركتى «قها» و«إدفينا» إلى شركة مساهمة مصرية، مع الوضع فى الاعتبار ضرورة إشراك القطاع الخاص فى هذه المهمة، الذى يعد الداعم الرئيسى للمشروعات الصناعية والقومية فى مصر، خاصة فى ظل توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسى المستمرة بأهمية دعم هذا القطاع وإتاحة الفرصة له كاملة لدعم مسيرة التنمية فى مصر، ودعم إستراتيجية الدولة المصرية فى تحقيق الأمن الغذائى المصرى.
فى الوقت نفسه جاءت توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسى الفترة الأخيرة، بسرعة إنجاز مهمة تطوير ودمج هاتين الشركتين الوطنيتين، وإنشاء مجمع صناعى نموذجى كبير بمدينة السادات مجهز على أعلى مستوى، وبأحدث التقنيات الحديثة فى مجال الأغذية بما يحقق الأمن الغذائى ويحقق القيمة المضافة للمنتج فى شكله النهائي، باعتبار أن إحياء واستعادة نشاط الشركة خلال 3 سنوات وزيادة القدرة التنافسية والتصديرية للمنتجات، كما يقع المجمع الصناعى لمنتجات «إدفينا» و«قها» على مساحة 120 فدان بالمنطقة ويضم منطقة لوجستية قريبة من الموانئ والمناطق المنتجة لخامات التصنيع، والممثلة فى الحاصلات الزراعية.
الرئيس عبد الفتاح السيسى وجه أيضًا بضغط الجدول الزمنى للمشروع وسرعة إنجازه قبل الموعد الزمني، خاصة وأن جهاز الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة يشارك فى تنفيذ المشروع.. كما وجه بتجهيز المجمع الصناعى بأحد المعايير والمواصفات العالمية لتلبية احتياجات السوق المحلى ودعم فاتورة التصدير للخارج، إضافة إلى التنسيق مع الوزارات المعنية لتشغيل ودعم منظومة العمل بالمشروع منها وزارات الزراعة والتموين والتجارة والصناعة، باعتبار أن العمل فى منظومة متكاملة يحقق الهدف من المشروع، ويدعم إستراتيجية الدولة المصرية للأمن الغذائي، وأيمانًا من الحكومة المصرية بأهمية التوسع فى مثل هذه المشروعات التى تساهم فى دعم الاقتصاد الوطنى للبلاد.
أهمية هذا المشروع فى دعم الاقتصاد الوطنى للبلاد يراه العديد من الخبراء بزوايا عديدة.. فقال الدكتور محمد الفرجانى مستشار رئيس الوزراء بوحدة المشروعات القومية، إن مجمع «قها» و«إدفينا» للصناعات الغذائية الجديد والمقرر إنشاءه بمدينة السادات بالقرب من محافظة المنوفية يضم 9 مبانٍ لخطوط الإنتاج، كما تصل حجم استثماراته ما يقرب من 6 مليارات جنيه، وأن المشروع النموذجى سيكون الأول من نوعه فى مصر والشرق الأوسط، حيث تصل تكلفته المبدئية قرابة الـ 400 مليون دولار، ويشارك في استثماراته وإنشائه الشركة القابضة للصناعات الغذائية بوزارة التموين وجهاز الخدمة الوطنية بالقوات المسلحة والقطاع الخاص، مضيفا أن من المقرر أن يكون هناك جمعية تأسيسية للشركة كجهة مختصة لإدارة المشروع بعد الانتهاء من تنفيذ المشروع.
وأضاف الفرجاني، أن منظومة تطوير شركتى «قها» و«إدفينا» تتضمن دمجهما داخل منطقة صناعية متكاملة، كما من المقرر أن يكون هناك خطة لاستغلال الأصول القديمة لمقار الشركتين، خاصة وأن هذه المقار تقع فى مناطق حيوية بعدد من المحافظات على مستوى الجمهورية وذلك فى المستقبل، لكن فى هذا التوقيت الحكومة تبنت خطة لتطوير وتشغيل هذه المصانع تتوافق مع منظومة عمل المجمع الجديد، وتغطى كل المنتجات الزراعية بكافة المناطق، بالتزامن مع المشروعات الزراعية الكبرى الموزعة على مناطق الجمهورية، موضحًا أنه تم الاستعانة بخبرات ونماذج استشارية عالمية لتطوير المجمع ساهمت فى عمل دراسات جدوى المشروع، وخطة عمل المستقبلية فى تسويق المنتجات، وإدارة منظومة العمل بالمشروع بشكل علمى وآمن.
أما الدكتور أحمد أبو اليزيد عضو مجلس إدارة الشركة القابضة للصناعات الغذائية، فأكد أن توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسى دائمًا اشدد على أهمية الارتقاء بقطاع الصناعات الغذائية وتوفيرها للمستهلك المحلى بجودة كبيرة وبأسعار مناسبة، وقد كان ذلك واضحا فى الإجراءات الأخيرة التى بدأت تنفيذها الحكومة المصرية لرفع كفاءة «قها» و«إدفينا» التابعتين لوزارة التموين، والمتخصصين فى إنتاج العديد من المنتجات الغذائية الوطنية منذ قديم الأزل منها المربى والعصائر والخضراوات المجمدة والطازجة ومصنعات غذائية أخرى التى تنتجها الشركتين، مضيفًا أن تطوير الشركتين يتزامن مع إجراءات الحكومة الأخيرة نحو وافتتاحاتها لمجمع المخبوزات بمدينة السادات، إضافة إلى ما توصلت إليه الإجراءات الأخيرة بشأن دراسة دمج الشركتين، باعتبارهما قلعتين للصناعات الغذائية، وبهما إمكانيات ومقدرات بالملايين يمكن استخدامها، وتحديث خطوط الإنتاج بما يتوافق مع التغيرات الكبيرة التى طرأت بقطاع الصناعات حول العالم، وموضحًا أن المشروع يقع على مساحة 120 فدانا بمدينة السادات لتخصيص أكبر مجمع للصناعات الغذائية، وإحياء الصناعات الوطنية التى يمكن أن تحقق طفرة كبيرة فى الاقتصاد الوطنى للبلاد.
وأشار عضو مجلس إدارة الشركة القابضة للصناعات الغذائية، أن توجه البلاد الفترة الأخيرة نحو تبنى إستراتيجية للتوسع فى المشروعات الصناعية المتخصصة بعدد من المناطق، ساهم فى تبنى المشروع القومى لتطوير شركتى قها وإدفينا ليكون أكبر مجمع لصناعة المنتجات الغذائية فى مصر والشرق الأوسط، كما أن اختيار مدينة السادات لإنشاء المشروع يرجع إلى قرب موقع المدينة من الزراعات المحيطة بها، إضافة إلى قربها من مشروع الدلتا الجديدة ومستقبل مصر القريب من منطقة الضبعة، موضحًا أن رفع كفاءة هذا المشروع وخروجه للنور سيحقق قيمة مضافة للمنتجات الغذائية فى مصر ويوفر أسواق رائجة لها محليًا وعالميًا، وإحياء قطاع التصنيع الزراعى الثروة القومية الكبيرة التى ستساهم فى دعم المزارعين والقطاع الزراعي.
وأوضح الدكتور أحمد أبو اليزيد، أن حجم الاستثمارات بالمشروع القومى لمجمع إدفينا وقها يصل لمليارات الجنيهات الفترة المقبلة، إضافة إلى خلق المزيد من فرص العمل للشباب، وتوحيد مقر المشروع داخل مجمع على أعلى مستوى، خاصة وأن مقار الشركتين كانتا موزعة لعدد من المحافظات دون أن يكون لها مردود اقتصادى طوال الفترة الماضية، وبالتالى فإن دعم الدولة لمثل هذه المشروعات سيحقق نمو كبير بالاقتصاد المصري، ويوفر المنتجات للمواطن بسعر يكون فى متناول الجميع خلال فترة زمنية محددة، حيث من المقرر أن تخرج منتجات هذا المجمع الصناعى الكبير إلى النور بحلول 2024 بشكلها الحديث والمطور بالأسواق المحلية والعالمية، مشيرًا أن الانتهاء من تنفيذ هذا المجمع الصناعى الكبير سيدعم فاتورة التصدير للخارج، ويوفر العملة الصعبة فى البلاد، إضافة إلى أهميته فى إحياء الصناعات الوطنية فى مصر.
واستطرد قائلا: قطاع الصناعات الغذائية فى مصر يجذب ما يقرب من 27 % من حجم العمالة بالصناعات فى مصر، وبالتالى عندما نتحدث عن تنفيذ هذا المشروع القومي، وهو ما يؤكد زيادة فى حجم العمالة المدربة والماهرة فى قطاع الصناعات الغذائية خلال الفترة المقبلة، كما من المقرر أن يتضمن المشروع القومى وجود منطقة لوجيستية لتسويق وحفظ المنتجات الصناعية الغذائية خاصة وأن معظمها يكون من الحاصلات الزراعية كالخضراوات المجمدة والعصائر والمربات، وهو ما يساهم فى تقليل الفاقد الذى تتعرض له هذه المنتجات والحاصلات الزراعية، مؤكدًا أن هذه المنظومة ستنهى على أزمات تسويق المحاصيل الزراعية التى يتعرض لها القطاع الزراعي.
من جانبه قال الدكتور شعبان سالم رئيس قطاع الشئون الاقتصادية بوزارة الزراعة، إن توجه الدولة الفترة الأخيرة لتطوير شركتى «قها» و«إدفينا» يفتح المجال أمام التوسع فى مشروعات التصنيع الزراعي، ودعم القطاع الزراعي، خاصة فى ظل تنفيذ مصر عدد من المشروعات الزراعية القومية بمناطق مختلفة، وهو ما يتطلب الاستعداد بمنظومة تصنيع غذائى وتجفيف للحاصلات الزراعى تناسب مع حجم الإنتاج الكبير الذى حدث فى مصر الفترة الأخيرة، إضافة إلى دور مثل هذه المجمعات فى تقليل الفاقد الذى تتعرض لها الحاصلات الزراعية والذى يصل لنسبة 15 – 20 % من الكميات خلال الطرق التقليدية وتعدد حلقات التداول بالمنظومة الزراعية، مضيفًا أن المساحات الجديدة التى تم إضافتها للرقعة الزراعية تتطلب المزيد من هذه المجمعات لدعم المزارعين والقطاع الزراعى فى مصر.
وأشار الدكتور سالم أن تحويل شركتى «قها» و«إدفينا» إلى مجمع صناعى كبير ونموذجى يدار بأحدث التقنيات، يساهم فى مد الأفق الزمنى لسلامة الحاصلات لفترة أطول، ويضيف قيمة اقتصادية كبيرة للمنتجات مقارنة ببيعها بالطرق التقليدية، كما تحقق الجودة والآمان الغذائى للمنتجات خاصة، وأن منظومة العمل بهذه المجمعات تتوافق مع اشتراطات هيئة سلامة الغذاء، إضافة إلى دورها فى تهدئة حدة الأسعار خاصة فى الحاصلات التى تتعرض لشح خلال فترات متفاوتة.
وأردف قائلًا: «قها وإدفينا شركتان عاشتا عهدًا طويلًا من الرخاء.. وقد كانت شهدت منتجات هاتين الشركتين فى فترة ما قبل الثمانينيات رواجًا كبيرًا بالأسواق المصرية وقبولًا واسعًا لدى المستهلكين.. بل أن من كان له حظ فى الحصول على وظيفة وقتها بهاتين الشركتين كان يتقاضى أجرًا ماليًا كبيرًا.. لكن تراجعت قوة هاتين الشركتين لأسباب عديدة «.
وأضاف رئيس الشئون الاقتصادية بوزارة الزراعة، أن هناك أسبابا عديدة تسببت فى تراجع قوة شركتى «قها» و«إدفينا» على رأسها، غياب التكامل بين الأنشطة الصناعية والأنشطة الزراعية المنوط بهما تحقيق التعاون فيما بينهم للارتقاء بمنظومة التصنيع الزراعي، السبب الثانى والأهم غياب إستراتيجية حقيقية وعلمية لتطوير هاتين الشركتين خاصة فى ظل التقنيات العالمية الحديثة والرقمية التى طرأت على القطاع الصناعى فى العالم كله، إضافة إلى سوء توزيع مقار الشركتين البعيد عن المناطق الزراعية واللوجستية مقارنة بمدينة السادات القريبة من مساحات زراعية كبيرة تخدم المجمع الصناعى الكبير على رأسها منطقة النوبارية التى تقدر نسبة إنتاجها من الخضر والفاكهة من 20 – 25 % من حجم الإنتاج فى مصر، مضيفًا أن مشروعات الدلتا الجديدة بالضبعة ومشروع الصوب الزراعية وتوشكى يمكنها أن تشغل عشرات المجمعات الصناعية على غرار مجمع «قها» و«إدفينا».
أما الدكتور شعبان سالم فتحدث أيضًا عن أهمية إنشاء مجمع «قها» و«إدفينا» بالنسبة للقطاع الزراعى والمزارعين.. حيث قال إن التوسع فى مثل هذه المشروعات الفترة المقبلة يساهم فى زيادة دخول المزارعين بنسبة تصل لـ20% مقارنة بالفترة الماضية، وهو ما يؤكد حرص القيادة السياسية ممثلة فى الرئيس عبد الفتاح السيسى على مساندة الفلاحين وتحقيق عوائد اقتصادية مناسبة لهم، وبالتالى فإن مشروعات التصنيع الزراعى تساهم فى دعم وتشجيع المزارعين للارتقاء بالإنتاج الزراعى والعمل على زيادة إنتاجية الحاصلات، خاصة وأن القطاع الزراعى محظوظ بوفرة فى المنتجات الزراعية القابلة للتصنيع والدخول فى المنظومة الجديدة كسلع مجمدة ومعبأة تحقق القيمة الاقتصادية، مضيفًا أن أن مجمع «إدفينا» و«قها» سيدعم منظومة تصنيع الألبان، خاصة مع تبنى الدولة الفترة الأخيرة البرنامج القومى لتطوير مراكز تجميع الألبان على مستوى محافظات الجمهورية.