الوظيفة تحتل جانبا مهما من الدراسات الخاصة بالقانون الإداري، نظرا لما يشكله قطاع الموظفين من أهمية خاصة في الدولة الحديثة، ولا سيما بعد أن تعددت المهمات الملقاة على عاتقها، عن طريق توليها مهمة إشباع جانب كبير من الحاجات العامة، كما أن العناية بهذا القطاع المهم والحيوي من العاملين، يحتاج إلى بذل الكثير من الجهد والتنظيم للوصول به إلى أفضل ما يمكن، كما ألقى المشرع على عاتق الموظف زمرة من الواجبات الوظيفية التي يتعين عليه الالتزام بها على الدوام، وقيده أيضا بالعديد من المحظورات هي الأخرى عليه بذل العناية القصوى لتجنب الوقوع بها.
وخلاف ذلك يكون الموظف أو العامل عرضة للمساءلة التأديبية من قبل صاحب العمل، ولأجل ذلك فقد أحاطه المشرع بسياج من الضمانات سواء في مرحلة التحقيق أو في حالة وصول الأمر للمحاكمة على حد سواء تماشيا وإرساء لقواعد العدالة القانونية التي يتعين أن تكون دائما ماثلة في أذهان الكافة، وللتأديب والجزاء في الوظيفة دور مهم في إرساء مبدأ الانضباط، اللازم لتمكين الإدارة من القيام بدورها لتحقيق الصالح العام، فهو وسيلة لعقاب الموظف على أفعال تشكل مخالفات تأديبية خارجة عن مقتضيات الواجب الوظيفي.
في التقرير التالى، نلقي الضوء على إشكاليات التحقيق مع العامل من خلال الإجابة على حزمة من الأسئلة أبرزها: هل يجوز توقيع جزاء على العامل بدون تحقيق؟ وهل يجوز تحميل العامل قيمة أضرار ارتكبها بدون حد أقصى وبدون الرجوع للمحكمة؟ وهل يسقط حق الشركة في توقيع الجزاء بالرغم من ثبوت المخالفة؟ وهل هناك اشتراطات في التحقيق؟، وذلك في الوقت الذى نظم فيه قانون العمل رقم 12 لسنة 2003، ضوابط التحقيق مع العمال ومساءلتهم والجزءات التي توقع على العامل.
13 جزاء مترتبا على المخالفة
في البداية – نظم قانون العمل 12 لسنة 2003 التحقيق مع العامل والجزاءات المترتبة على المخالفة في المواد من 59 وحتى 69 من قانون العمل ومنها.
1-لا يجوز توقيع جزاء على عامل إلا بعد التحقيق معه كتابة بما نسب إليه وسماع أقواله وتحقيق دفاعه بمعرفة سلطة التحقيق بشرط ألا يقل المستوى الوظيفي للمحقق عن مستوى العامل المحقق معه، ويجوز في المخالفات التي يكون الجزاء عنها الانذار أو الخصم الذي لا يزيد عن اجر يوم واحد، أن يكون الاستجواب او التحقيق فيها شفاهة على أن يثبت مضمونه في المحضر الذي يحوي الجزاء.
2-لا يجوز توقيع جزاء على مخالفة غير منصوص عليه في لائحة العمل.
3-قاعدة تدرج الجزاء قاعدة ملزمة.
4-إذا حدد الخضم بنسبة محددة من الأجر اعتبر أن المقصود بذلك هو الأجر الاساسي اليومي للعامل.
5-يخطر العامل كتابة بالجزاء الذي وقع عليه ومقداره، وكذلك الجزاء الذي يتعرض له في حالة تكرار المخالفة، وإذا امتنع العامل عن استلام الاخطار يرسل اليه على عنوانه الثابت بملف خدمته بكتاب موصى عليه، وبالنسبة لجزاء الانذار أو الوقف عن العمل لمدة لا تتجاوز 3 أيام فإنه يكتفي بالإعلان عن الجزاء في مكان ظاهر في حالة رفض الاستلام.
6- يحظر توقيع أكثر من جزاء عن المخالفة الواحدة كما يحظر الجمع بين اقتطاع جزء من أجر العامل طبقا لحكم المادة (61) من قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 وبين أي جزاء مالي إذا زاد ما يجب اقتطاعه على أجر خمسة أيام في الشهر الواحد.
7- إذا تكررت ذات المخالفة لأكثر من 4 مرات قبل مضي 6 أشهر من تاريخ ارتكابها لأول مرة يضاعف الجزاء المقرر لرابع مرة أو يوقع الجزاء الأشد.
8-إذا نسب الى العامل ارتكاب جناية أو جنحة مخلة بالشرف أو الأمانة أو الآداب العامة او أي جنحة داخل دائرة العمل، جاز لصاحب العمل وقفه مؤقتا، وعندئذ يتم عرض الامر على المحكمة العمالية خلال 3 أيام من تاريخ الوقف حسب القواعد المنظمة بالمادة رقم (12) لسنة 2003.
9-يبدأ التحقيق مع العامل خلال 7 أيام على الأكثر من تاريخ اكتشاف المخالفة وللمنظمة النقابية التي يتبعها العامل أن تندب ممثلا عنها لحضور التحقيق.
10-إذا وقعت المخالفة بعد مضي 6 أشهر من تاريخ ابلاغ العامل بتوقيع الجزاء السابق والتي من نوعها اعتبرت الأولى.
11-لا يجوز توقيع جزاء تأديبي على العامل بعد تاريخ الانتهاء من التحقيق في المخالفة بأكثر من 30 يوماً.
12- يكون الاختصاص بتوقيع جزاء الفصل من الخدمة للمحكمة المشكلة طبقا المادة رقم (71) من القانون رقم 12 لسنة 2003 ويكون بتوقيع باقي الجزاءات التأديبية لصاحب العمل أو من يفوضه ويكون لمدير المنشأة توقيع جزاءي الانذار والخصم من الاجر والخصم من الاجر لمدة لا تتجاوز 3 أيام
13-إذا تسبب العامل بخطأ وبمناسبة عمله في فقد أو اتلاف مهمات أو آلات أو خامات أو منتجات يمكلها صاحب العمل أو كانت في عهدته التزام بأداء قيمة ما فقد أو اتلف ولصاحب العمل بعد اجراء التحقيق واخطار العامل أن يبدأ باقتطاع المبلغ المذكور من أجره على إلا يزيد ما يقتطع لهذا الغرض على أجر 5 أيام في الشهر الواحد، ويجوز للعامل أن يتظلم من تقدير صاحب العمل أمام المحكمة المشار اليها في المادة (71) من هذا القانون وفقا للعدد والاجراءات الواردة فيها، فإذا لم يقض لصاحب العمل بالمبلغ الذي قدره للإتلاف أو قضى له بأقل منه وجب عليه رد ما اقتطع دون وجه حق خلال 7 أيام من تاريخ صدور قرار اللجنة.
ملحوظة: ولا يجوز لصاحب العمل أن يستوفي مستحقاته بطريق الاقتطاع وفقا لحكم هذه المادة إذا بلغ مجموعها أجر شهرين.
رأى محكمة النقض في الأزمة
هذا وقد سبق لمحكمة النقض التصدي للأزمة في الطعن المقيد برقم 1299 لسنة 70 جلسة 18 مارس 2007 كانت أحكام محكمتنا العليا قد أستقر في العديد من أحكامها علي: “إذ كانت المادة 3/60 من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 137 لسنة 1981 – والمنطبقة على واقعة الدعوى عملاً بنص المادة 5/44 من قانون شركات قطاع الأعمال العام الصادر بالقانون رقم 203 لسنة 1991 – قد نصت على عدم جواز توقيع عقوبة تأديبية عن فعل لم يرد بلائحة تنظيم العمل والجزاءات، وأناطت بوزير الدولة للقوى العاملة والتدريب إصدار قرار ببيان العقوبات التأديبية وقواعد وإجراءات التأديب، وحظرت المادة السادسة من القرار الوزاري رقم 24 لسنة 1982 الصادر نفاذاً لهذا النص توقيع عقوبة على العامل إلا بعد إبلاغه كتابة بما نسب إليه وسماع أقواله وتحقيق دفاعه وإثبات ذلك في محضر يودع ملفه الخاص إلا ما استثنته بشأن عقوبة الإنذار، ويترتب على عدم اتباع هذه القواعد بطلان الجزاء .
لما كان ذلك – وكان البين من الأوراق – وعلى ما أوردته المطعون ضدها فى صحيفة الاستئناف – أن الجزاء الموقع على الطاعن بخصم أجر ربع يوم لانصرافه عن العمل دون إذن قد اعتمد بتاريخ 28 ديسمبر 1997، وكانت المطعون ضدها لم تقدم أمام محكمة الموضوع ما يفيد أنها أجرت قبل هذا التاريخ تحقيقاً مع الطاعن لسماع أقواله وتحقيق دفاعه، وكان الثابت بلائحة الجزاءات المودعة بالأوراق أن توقيع جزاء الحرمان من العلاوة السنوية أو جزء منها بسبب الاحتفاظ بأصول الأوراق الرسمية أو نزعها من الملفات – والتى نُسبت إلى الطاعن – يستلزم أن تكون المخالفة قد ارتكبت لثالث مرة، وكانت الأوراق خلو مما يدل على أن الطاعن قد ارتكب هذه المخالفة لثالث مرة، فإن توقيع العقوبة عن كل من المخالفتين سالفتى الذكر يكون باطلاً، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى برفض دعوى الطاعن استناداً إلى صحة الجزاءين الموقعين عليه ، فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون.
حكم أخر لمحكمة النقض يتصدى للأزمة
وقضت أيضا محكمة النقض في الطعن المقيد برقم 6844 لسنة 82 قضائية، حيث ذكرت في حيثيات الحكم – إذ كان إعمالا المادة 11 من القانون المشار إليه 19 لسنة 1998 أصدر مجلس إدارة الطاعنة بتاريخ 1 يونيو 1999 القرار رقم 763 لسنة 1999 بشأن لائحة نظام العاملين بالشركة وانتظمت نصوصها حكماً في خصوص واجبات العاملين والإجراءات المتبعة في حالة خروج العامل على مقتضيات الواجب الوظيفى وارتكابه ثمة مخالفة بأن نصت في المادة 68/1، 7 منها على أنه: ” يجب على العامل مراعاة أحكام هذه اللائحة وتنفيذها وعليه بصفة خاصة 1- أن يؤدى العمل المنوط به بنفسه بدقة وأمانة في المكان المحدد للعمل ٠٠٠ 7-المحافظة على ممتلكات وأموال الشركة ومراعاة صيانتها، وفى المادة 69 / 1، 2 منها على أن:
“ويحظر على العامل (1) مخالفة القواعد والأحكام المنصوص عليها في القوانين واللوائح المعمول بها (2) الإهمال أو التقصير الذى يترتب عليه ضياع حق من الحقوق المالية للشركة أو المساس بمصلحة من مصالحها المالية أو يكون من شأنه أن يؤدى إلى ذلك، وفى المادة 70 على أن: ” كل عامل يخرج على مقتضى الواجب الوظيفي في أعمال وظيفته أو يظهر بمظهر من شأنه الإخلال بكرامة الوظيفة يجازى تأديبياً ٠٠٠٠٠ “، وفى المادة 71 على أنه: ” لا يجوز توقيع جزاء على العامل إلا بعد التحقيق معه كتابة وسماع أقواله وتحقيق دفاعه ٠٠٠“.
وفى المادة 72 على أنه: ” تصدر لائحة الجزاءات بقرار من مجلس الإدارة وتبين أنواع المخالفات والجزاءات المقررة لها وتحدد السلطة المختصة بتوقيع الجزاءات أنواع المخالفات كما تبين إجراءات التحقيق والجهات التي تتولاه وإجراءات التظلم من قرارات الجزاء ونفاذاً لهذه اللائحة أصدرت الطاعنة القرار رقم 795 لسنة 1999 بشأن إصدار لائحة بقواعد الجزاءات التأديبية للعاملين بالشركة حيث نصت المادة الأولى من تلك اللائحة على أن: ” يعمل بالأحكام التالية في شأن المخالفات التأديبية التي يرتكبها العاملون بالشركة ويعمل بقانون العمل فيما لم يرد بشأنه نص خاص في هذه اللائحة، ويوقع الجزاء المنصوص عليه في أى من هذه الأحكام في حالة ارتكابه المخالفة في أي إدارة من إدارات الشركة ولم يكن منصوصاً عليها ضمن مخالفات هذه الإدارة “.
العقوبات التأديبية التي يجوز توقيعها على العاملين من غير شاغلى الوظائف العليا
وفى المادة العاشرة منها على أن: ” العقوبات التأديبية التي يجوز توقيعها على العاملين من غير شاغلى الوظائف العليا هي : (1)٠٠٠٠ (2)٠٠٠٠٠ (3) الحرمان من العلاوة أو جزء منها ، وفى المادة الثانية عشرة منها على أن: ” يكون الاختصاص في توقيع الجزاء على النحو التالى (1) ٠٠٠٠(2)٠٠٠٠ (3)٠٠٠٠٠ (4) لمجلس التأديب توقيع كافة العقوبات، كما حددت المادة (10) من باب المخالفات العامة من تلك اللائحة الجزاء الواجب تطبيقه على المخالفات المنسوبة إلى المطعون ضده وهى قبول الرشوة أو تقديمها أو تسهيل ارتكابها ٠٠٠٠”، والمادة (23) منها: ” القيام بأى تركيبات غير قانونية ٠٠٠٠ “، وهو الإحالة لمجلس التأديب.
لما كان ذلك – وكان الثابت من أوراق الدعوى والمستندات المقدمة فيها أن الشركة الطاعنة قد طبقت بشأن ما اقترفه المطعون ضده من مخالفات أحكام لائحة نظام العاملين بها وكذا لائحة الجزاءات الصادرة نفاذاً لها وأحالت تلك المخالفات إلى مجلس التأديب الذى أصدر قراره المطعون عليه وفقاً لكلتا اللائحتين وذلك بمجازاة المطعون ضده بخفض أجره بمقدار نصف علاوة بعد ثبوت أن ما قام به مع آخرين بقبول رشوة من أحد المشتركين لنقل خط التليفون الخاص به لمنزل آخر دون اتباع الإجراءات القانونية بالشركة وبدون سداد الرسوم المستحقة مما يعد خروجاً على مقتضيات الواجب الوظيفي في أعمال وظيفته ومساساً بمصلحة من مصالحها المالية، بما يكون معه القرار الصادر من الشركة الطاعنة بشأن المطعون ضده – والمطعون عليه – قد صدر صحيحاً ومتفقاً مع لوائحها وبمنأى عن الإلغاء، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى بإلغاء قرار الجزاء الموقع على المطعون ضده بخفض أجره بمقدار نصف علاوة مستنداً في ذلك إلى خلو لائحة الجزاءات التأديبية للشركة الطاعنة من هذا الجزاء فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.