إن شركة كوكاكولا أكبر موزع للمشروبات في العالم، ومن خلال بعض العلامات التجارية مثل كوكاكولا، وكوكاكولا دايت، وفانتا، بالإضافة إلى سبرايت، فهي بذلك توزع أكثر من 3% من كل المشروبات التي يتم استهلاكها على مدار اليوم، في جميع أنحاء العالم. وقد بدأت الشركة بمنتج واحد فقط عام 1886، ثم تطورت لتشمل أكثر من 3800 علامة تجارية في عبر العالم.
كان لتاريخ استقرار شركة كوكاكولا، وكونها واحدة من العلامات التجارية الأكثر تميزًا على مستوى العالم، بالإضافة إلى تلبيتها لاحتياجات عملائها ووفائهم لها – ناهيك عن زيادة الأرباح المتتالية – دور في مساعدة الشركة على أن تحظى بشعبية من جانب المستثمرين لمدة طويلة. ولكن كيف أصبحت القوة المحركة التي نراها اليوم؟
تأسيس شركة كوكاكولا
نشأة الشركة
بدأ نشاط شركة كوكاكولا خلال عام 1886، عندما قام الصيدلي جون بيمبرتون باختراع سائل ملون بالكراميل ودمجه بماء به كربون.
اشترى رجل الأعمال آزا غريغز كاندلر حقوق صيغة هذا المشروب خلال عام 1888 مقابل 2,300 دولار أمريكي فقط، ومن ثم، تأسست شركة كوكاكولا في عام 1892. تم بيع كوكاكولا للمرة الأولى من خلال خزانات للمشروب بسعر 5 سنتات (3 قروش) للكوب، وبحلول عام 1913، كان واحدًا من بين كل تسعة مواطنين أمريكيين قد تناول هذا المشروب.
ومع بدء المنافسة في السوق، باع كاندلر الحقوق لتعبئة كوكاكولا – مما أدى إلى إطلاق “نظام كوكاكولا”، وهي شراكة امتياز توجد الآن بين الشركة وأكثر من 250 من شركات تعبئة الزجاجات حول العالم.
تم وضع شعار كوكاكولا على الزجاجات لمنع تقليد المنتج الأصلي سنة 1916، وبعد مرور 100 عام، أصبح من الممكن التعرف عليها فورا في جميع أنحاء العالم.
السنوات الأولى لشركة كوكاكولا
الدخول إلى بورصة نيويورك
في عام 1919، قامت مجموعة من رجال الأعمال بقيادة إرنست وودروف بشراء شركة كوكاكولا من كاندلر بمبلغ 25 مليون دولار أمريكي، وفي وقت لاحق من ذلك العام، قامت الشركة بالطرح الأولي للاكتتاب العام لها في بورصة نيويورك، مقابل 40 دولار أمريكي للسهم الواحد.
وفقًا للتقرير السنوي لعام 2016، ارتفعت أسهم كوكاكولا حيث بلغت القيمة السوقية للشركة ما يقرب 180 مليار دولار أمريكي، بالإضافة إلى 53 زيادة متتالية في الأرباح. وبنهاية عام 2015، بلغت قيمة السهم الواحد من شركة كوكاكولا التي تم شراؤها في عام 1919 (مع إعادة استثمار الأرباح ) 12.748.802 دولار أمريكي، بمعدل نمو سنوي قدره 14.11%.
كوكاكولا والكساد الكبير
عقب مرور عام واحد فقط على الطرح الأولي للاكتتاب العام لأسهم شركة كوكاكولا، قامت الشركة بجمع 40 مليون دولار أمريكي كأصول، وبحلول عام 1929، باعت الشركة ما يقرب الـ27 مليون غالون من المشروب، بزيادة تبلغ 150% منذ 1920.
إلا أنه في أعقاب ذلك، وخلال الـ24 من أكتوبر 1929، انهارت بورصة وول ستريت، مما أدى إلى دخول الولايات المتحدة في حالة من التراجع الاقتصادي على مدى عقد من الزمان.
وعلى الرغم من انخفاض معدل المبيعات، كرست شركة كوكاكولا نفسها من أجل تحقيق عوائد تجارية على المدى الطويل، من خلال الاستمرار في زيادة تكاليف الإعلانات. وأدى ذلك إلى وجود ولاء من المستهلك لا مثيل له، على الرغم من انخفاض قيمة الأسهم، مما أدى إلى خروج الشركة من الأزمة الاقتصادية على نحو قوي نسبيًا.
وساعد هذا الأداء شركة كوكاكولا على الانضمام إلى مؤشر داو جونز الصناعي – الذي يقيس أداء أكبر 30 شركة في الولايات المتحدة – في عام 1932، على الرغم من خروجها منه عام 1935.
شركة كوكاكولا خلال الحرب العالمية الثانية
عندما دخلت الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية، قررت كوكاكولا أن تتيح منتجاتها لجميع الجنود، أينما كانوا. وقد أدّى ذلك إلى خلق طلب عالمي على المشروب، مما تسبب في تضاعف عدد البلدان ذات مرافق تعبئة الزجاجات تقريبا من منتصف الأربعينيات وحتى الستينيات.
كما قدمت كوكاكولا مشروبها الثاني، فانتا (Fanta)، إلى الأسواق الألمانية خلال هذه الفترة. ويتم استهلاك مشروب “فانتا” بمعدل يبلغ أكثر من 130 مليون مرة يوميا.
توسع العلامة التجارية: النجاحات المالية والإخفاقات
الاستحواذ على شركة مينيت ميد (Minute Maid)
تم شراء شركة مينيت ميد، من خلال مبادلة للأسهم في عام 1960، وهو أول مشروع لشركة كوكاكولا خارج نطاق المشروبات الغازية.
وبعد نجاح هذا الاستحواذ، قدمت كوكاكولا مشروب Sprite “سبرايت” في عام 1961، والذي تبلغ قيمته الآن ما يقدر بـ 5 مليارات دولار أمريكي، وهو ثالث أكثر المشروبات الغازية شعبية في جميع أنحاء العالم.
كوكاكولا دايت
في يوليو 1982، قدمت كوكاكولا مشروبًا بسعرات حرارية منخفضة، Diet Coke “كوكاكولا دايت” – وكان أول علامة تجارية جديدة تستخدم شعار كوكاكولا منذ عام 1886.
أصبح مشروب “كوكاكولا دايت” في غضون عام من إطلاقه، أكبر المشروبات الخالية من السكر في أمريكا، وعزز مبيعات التجزئة لكوكاكولا بنسبة 7%. واستمر المنتج واحدا من أكثر العلامات التجارية نجاحًا في جميع أنحاء العالم، وهو متاح في أكثر من 185 سوقا.
كارثة المنتج الجديد
عندما بدأت الشركة المنافسة بيبسي كولا الحصول على حصة في السوق في أوائل الثمانينيات، أعلنت شركة كوكاكولا أنها ستقوم ولأول مرة خلال 99 عامًا، باستبدال صيغة منتجها. وفي الـ23 من أبريل سنة 1985، توقف مشروب كوكاكولا الأصلي، وشهدت أسهم كوكاكولا انخفاضًا متسارعًا بلغ 3%.
تسبب المنتج الجديد في حدوث حالة من الغضب بين المستهلكين الأوفياء، والذين أنشؤوا مجموعات احتجاج، بل وقاطعوا الشركة. واستغرق الأمر 77 يومًا فقط كي تعترف لشركة بأنها ارتكبت خطأ فادحًا، والعودة إلى صيغة المشروب التقليدية.
تفوقت كوكاكولا على المنافسين مرة أخرى، وعادت إلى التداول عبر مؤشر داو جونز في عام 1987 – واستمرت فيه منذ ذلك الحين.
كوكا كولا اليوم
العلامة التجارية الأيقونة
صنفت شركة فوربس كوكاكولا سنة 2017، باعتبارها واحدة من أفضل خمس علامات تجارية في العالم. ويعزى جزء كبير من هذا النجاح إلى حملات التسويق التي استطاعت الوصول إلى كل أرجاء العالم.
على سبيل المثال، شهدت شركة كوكاكولا ارتفاعًا بنسبة 2% في المبيعات في عام 2013، عندما أطلقت حملة “Share a Coke” “كوكاكولا أحلى مع ..”، وهي حملة يمكن من خلالها وضع أسماء الأشخاص على الزجاجات.
ومن خلال الحملات الإعلانية، ورعاية الأحداث الرياضية (ككأس العالم لكرة القدم والألعاب الأوليمبية)، أكدّت كوكاكولا أنه أيًا كان اتجاه الاستهلاك، وفي أي عصر، فقد حافظت على مكانة عالية.
التحديات التي تواجه كوكاكولا
معركة كوكاكولا مع الدولار الأمريكي
نظرًا لوجود مقر الشركة في الولايات المتحدة، تتأثر كوكاكولا بقوة الدولار الأمريكي – حيث يمكن أن يؤدي الدولار الأمريكي القوي إلى حدوث تحولات ليست بالجيدة في المبيعات الخارجية، وتقويض الأرباح، في حين أن ضعف الدولار الأمريكي قد أن يؤدي إلى هوامش ربح أفضل.
على سبيل المثال، في عام 2016، تسببت الانتخابات الرئاسية الأمريكية في حدوث تقلبات في الدولار الأمريكي، والتي أثرت بدورها على أسعار أسهم الشركات الأمريكية الكبرى – بما في ذلك كوكاكولا.
خلال الفترة التي سبقت الانتخابات، كان من المتوقع أن يؤثر فوز دونالد ترامب على الشركات متعددة الجنسية بشكل سلبي، وذلك بفضل تأثيره الإيجابي على الدولار الأمريكي. وقد أشار تقرير الأرباح الربع سنوية الأخير لشركة كوكاكولا لعام 2016 إلى انخفاض أرباحها من 1.2 مليار دولار أمريكي إلى 547 مليون دولار أمريكي- ما يقرب من 7% منها ناجمة عن الأرباح المفقودة بفعل تحويل العملات.
وعقب مضي أسبوعين على تنصيب ترامب، تراجع الدولار الأمريكي وسجلت كوكاكولا عائدات فاقت التوقعات خلال الربع الثاني من عام 2017. وظل الدولار الأمريكي يعاني حالة من الضعف معظم السنة، مع تزايد الشكوك حول إدارة ترامب، ولم يستعد الدولار الامريكي قوته إلا في نهاية العام.
وعلى الرغم من أن كوكاكولا قد رحبت في بادئ الأمر بوعد ترامب بتخفيض الضرائب على الشركات، انتقد الرئيس التنفيذي آنذاك مهتار كنت بشكل واضح قرار ترامب بحظر السفر، ولهجة الخطاب التقييدي للتجارة، حيث إنه يضر بالتجارة العالمية، وبالتالي يضر بشركة كوكاكولا.
مواكبة المستهلكين
مع ازدياد الطلب على المشروبات غير الغازية، تباطأ معدل نمو كوكاكولا. و أصبحت المشروبات الغازية محل انتقاد خبراء الصحة العامة، وبدأت الخيارات الصحية في اكتساب شعبية.
إلا أن كوكاكولا تقبلت الأمر، مما جعلها تقرر تعويض أي خسارة في الإيرادات عن طريق تغيير نشاطها من شركة للمشروبات الغازية، إلى “شركة مشروبات كلية”. وشمل ذلك تطوير وشراء منتجات جديدة مثل:
شركة Monster Beverages
في يونيو 2015، استحوذت شركة كوكاكولا على حصة تبلغ 16.7% من شركة مشروبات الطاقة Monster Beverages، بأكثر من 3 مليارات دولار أمريكي. وقد أدت هذه الخطوة إلى زيادة تعرض كوكاكولا لإيرادات مشروبات الطاقة، فضلاً عن عمليات الاستحواذ الخاصة بشركة Monster في ما يخص شاي الأعشاب ومنتجات العصير
كوكاكولا زيرو
قدمت كوكاكولا في عام 2017، صيغة جديدة لكوكاكولا زيرو، بالتوازي مع عملية التعبئة والتغليف الجديدتين، وحملة التسويق النشطة، في المملكة المتحدة.
وأدى ذلك إلى نمو بمعدل ثنائي الرقم، مع طرح المنتج في الأسواق عبر العالم.