يُعد الاقتصاد غير الرسمى أمرًا منتشرًا فى جميع دول العالم، ولكنه أكثر انتشارًا فى الدول النامية والفقيرة، وهو امتداد للحلول العشوائية التى يلجأ لها المواطنين لسد العجز فى قطاع محدد عجزت الدولة عن تلبية احتياجات المجتمع فيها.
لذلك، كان دمج الاقتصاد غير الرسمى فى القطاع الرسمى أحد أهداف برنامج الإصلاح الاقتصادى الذى أطلقته الدولة المصرية فى أبريل 2021، بهدف إعادة هيكلته بالشكل الذى يقضى على الظاهرة بشكل جذرى، وبالتالى تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وقد رصد إصدار “الاقتصاد غير الرسمى” الصادر عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار ضمن سلسة “أفاق اقتصادية”، على مستوى الدول العربية، أن متوسط نســبة الاقتصاد غير الرسمى فى كل من مصر 34,3% والمغــرب 34,1% ولبنان 31,6% والجزائــر 30,9%، بينما تبلغ تلك النسـب فى كل من دول مجلس التعاون الخليجى ما نسبته 27% من الناتج المحلى الإجمالى الرسمى لهذه الدول.
ورغـم تبايـن تقديـرات المحلليـن والخبـراء عـن قيمـة الاقتصاد غير الرسمى فـى مصـر، فـإن الدراسـة التـى أعدتها لجنة الضرائب باتحاد الصناعات المصرية فى نهايــة عــام 2018 قــد قــدرت حجــم الاقتصــاد غير الرسمى بأعلى نســبة بلغت 60% من حجم الناتج فى الاقتصاد الرسمى.
ويشــكل الاقتصاد غير الرسمى جزءًا مهما فى الاقتصاد المصرى؛ حيث يساهم فى الناتج المحلى الإجمالى، حسـب تقديـرات حكوميـة بما يعـادل نحـو 40% (نحـو 2.6 تريليـون جنيـه) من ناتج الاقتصاد الرسمى البالـغ 6.4 تريليون جنيه لعام 2020/2021، كما يستوعب هـذا القطـاع نحـو 50% مـن قـوة العمـل البالغـة نحو 3.29 مليون فرد، كما يبلغ عدد وحداته الصغيرة والمتوسطة أكثر من أربعة أمثال عددها فى الاقتصاد الرسمى.
يتسبب الاقتصاد غير الرسمى فى ضعف إيرادات الدولة الضريبية، فى مقابل الزيادة المستمرة للإنفاق العام، وهو ما يظهر فى زيادة عجز الموازنة، حيث يستفيد العاملون فى الاقتصاد غير الرسمى من جميع الخدمات العامة التى تقدمها الدولة للقطاع الرسمى من (مياه وكهرباء وصحة وتعليم)، فى حين أن العاملين فى الاقتصاد غير الرسمى لا يساهمون فى تمويل الموازنة العامة للدولة.
يحرم انتشار الاقتصاد غير الرسمى الموازنة العامة للدولة من حصيلة ضريبية لا يستهان بها تقدر بحوالى 400 مليار جنيه، والتى يمكن أن تغطى مـا يقرب من 85% من إجمالى العجز الكلى (475 مليــار جنيــه) فى موازنة العام 2021/2022، ومـن ثـم ينخفـض العجـز الكلى فـى الموازنـة إلـى 175 مليـار جنيـه لتصبـح نسـبته 5.2 % من الناتـج المحلى الإجمالى بـدلاً من النسبة الحالية البالغة 7.6%.
الإضرار بسمعة الصناعة الوطنية، وضعــف القــدرة علــى التصدير والنفاذ إلى الأسـواق الخارجية، فـلا يتم تطبيـق المواصفات القياسية المتعارف عليها عالميًا على المنتجات، ويتم استخدام أسوأ الخامات بهدف خفض تكلفة تلك الإنتاج.
غياب المعلومات لا يوفر الاقتصاد غير الرسمى قاعدة بيانات دقيقة تساعد فى إعـداد الخطط السنوية للدولة، مثـل معدلات البطالة والتضخم ونسبة الإعالة ومعدلات النمو فى السيولة النقدية.
ضعف الشمول المالى بسبب زيادة الاعتماد على المعاملات النقدية المباشرة ما يضعف معـدلات النمو فى السيولة النقديـة، بخلاف أن شيوع التعاملات النقدية فى الاقتصاد غير الرسمى يعد مجالا خصبا لتمويل الجماعات المتطرفة والإرهاب.
ورصد مركز المعلومات فى إصدار “الاقتصاد غير الرسمى” عوامل تقف وراء اتساع حجم منظومة الاقتصاد غير الرسمى:
الأول: التعقيـدات الإدارية والبـطء فـى الحصـول علـى المسـتندات اللازمة لإنهـاء إجـراءات التسجيل واســتخراج التصاريح اللازمة لمزاولة النشاط.
ثانيا: ارتفاع تكلفة استخراج المستندات اللازمة لتأسيس كيان قانونى، والعـبء المالى الثقيل.
ثالثا: ضعف قدرة الشركات الصغيرة فى الحصول على تمويلات للتشغيل أو تنمية حجم المشروع، بسبب عدم رغبــة القائميــن على المشروع فى التعامل مع البنوك لقلة الوعى المصرفى، أو عدم الدراية الكافية بكيفية التعامل مع التكنولوجيا المالية.
رابعا: ضعـف الثقافة الضريبية ودورها فى تحقيق التنمية المستدامة؛ إذ تترجم هـذه الثقافـة فى خوفهـم مـن التعامل مع منظومة ضريبية تبدو للكثيرين منهم أنها معقدة وتقديراتها جزافية وغامضة فى بعض قوانينها.
خامسا: السر فى تنامى هذه المنظومة غير الرسمية يعود إلى السهولة فى دخول نشاط الأعمال والخروج منـه بأقل تكلفة ممكنة وبأسرع وقت ممكن مقارنة بالمنظومة الرسمية.
سادسا: عدم قــدرة الاقتصاد غير الرسمى على مواكبة التطورات التكنولوجية لأنها سريعة والمكلفة، لذلك يلجئون لتطبيــق أساليب إنتاجية غير متطورة وغير مكلفة، ما يفقدهم القدرة على المنافسة والاستمرار.