حذر النائب خالد عيش عضو مجلس الشيوخ في تصريحات صحفية سابقة، من خطورة صناعات بير السلم والاقتصاد الاسود الغير خاضع للرقابة والذي يعمل في الظل بعيدًا عن عيون الاجهزة الرقابية بالدولة، وهو يمثل تهديد نتيجة عمليات التهرب الضريبي بجانب تكبيد الاقتصاد الرسمي خسائر مع غياب ادوات المنافسة الحرة.
وفي هذا السياق، شنت مديريات التموين علي مستوي الجمهورية حملات تفتيش مفاجئة علي بعض المخازن، حيث تم الكشف عن مصانع تقوم بتعبئة وتغليف عبوات لمصانع تعمل بالسوق الرسمي، ويتم طرح تلك المنتجات بأسعار مخفضة مقارنة بمثيلتها المسجلة لدي وزارة الصحة، وهو ما يتسبب في تهديد صحة المصريين.
يقول جبريل محمود، وكيل تسجيل براءات وعلامات تجارية، إن أي صاحب شركة يمكنه تسجيل علامته التجارية بوزارة التموين، والموافقة يعني أنها علامة جديدة، بينما لو تم رفضها فهذا يعني أنها مقلدة وهذا ما تقره عليه المادة 68 من قانون «حقوق الملكية الفكرية»، رقم «82» لسنة 2002 وهذا نصه: «أن يكون لصاحب العلامة التجارية المشهورة عالميا وفي مصر حق التمتع بالحماية المقررة في هذا القانون ولو لم تسجل في مصر ويجب على المصلحة أن ترفض من تلقاء نفسها أي طلب لتسجيل علامة مطابقة لعلامة مشهورة يتضمن استخدام العلامة لتمييز منتجات تماثل المنتجات التي تستخدم العلامة المشهورة في تمييزها ما لم يكن من صاحب العلامة المشهورة، ويسري الحكم المتقدم على طلبات التسجيل التي تنصب على منتجا لا يماثل المنتجات التي تستخدم العلامة المشهورة في تمييزها إذا كانت العلامة المشهورة مسجلة بإحدى الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية وفي مصر، وكان استخدام العلامة على المنتجات غير المنتجات المماثلة من شأنها أن يحمل الغير على الاعتقاد بوجود صلة بين صاحب العلامة المشهورة وتلك المنتجات وأن يؤدي هذا الاستخدام لإلحاق الضرر بصاحب العلامة المشهورة».
ولفت إلى عدم وجود جهة في مصر لديها حصر بالشركات التي تم تقليد علامتها التجارية، رغم ان وزارة التموين هي المسئولة عن حصر ظاهرة المنتجات المزيفة ومعرفة الشركات التي زورت العلامات التجارية.
وكشف «جبريل» أن التقليد منتشر في مصر لأن تسجيل الشركة لعلامتها التجارية اختياري، ويحق لصاحب الشركة رفض تسجيل العلامة التجارية، مشيرا إلى أن قطع غيار السيارات من من أكثر المنتجات التي تتعرض لمشكلة التقليد، بل أن كثير من المحلات تضع اسم ال شركات العالمية للسيارات رغم انها ليست مكتب وكيل رسمي.
وأوضح أن تقليد العلامة التجارية يكون أكثر في مستحضرات التجميل ومنتجات المواد الغذائية وأجهزة المحمول وقطع غيار السيارات، حيث يدعي محل قطع الغيار أنه وكيل عن إحدى شركات صناعة السيارات الكبرىن ورغم انتشار هذه الظاهرة لا يتم اتخاذ أي إجراء ضدها أو ضد المصانع التي تورد «المنتجات المضروبة».
وكشف تقرير صادر عن مكتب العلامات التجارية المصري لعام 2020 أن عدد الطلبات المقدمة من مصر لمكتب العلامات التجارية المصري بلغ 18 ألف و735 طلبا للحصول على علامات تجارية عام 2020 مقابل 17 ألف و760 طلبا عاما 2019 بزيادة نسبتها 5.5%، كما منح مكتب العلامات التجارية المصري العديد من الدول عدد 8324 علامة تجارية عام 2020، حصلت منهم مصر على 5274 وباقي دول العالم حصلوا على 3050 علامة تجارية مقابل 9010 علامة تجارية عام 2019 بانخفاض بلغت نسبته 7.6%، كما تصدرت مصر قائمة العلامات التجارية الممنوحة بإجمالي 5274 علامة تجارية تليها الولايات المتحدة الأمريكية بإجمالي 991 علامة تجارية.
خسائر بالمليارات
كشفت دراسة أعدتها لجنة الضرائب باتحاد الصناعات المصرية، عن أن حجم الاقتصاد غير الرسمى أو ما يطلق عليه الاقتصاد الخفى يصل إلى 4 تريليون جنيه، بما يعادل نحو 60% من حجم التعاملات السنوية للاقتصاد والمقدرة بنحو 400 مليار دولار التى تبعد كل البعد عن اقتصاد الدولة الرسمى.
وطبقا لدراسة بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحرى، فإن أهم المسببات التى تقف وراء ظاهرة الاقتصاد غير الرسمى فى مصر تكمن فى ضعف بيئة ريادة الأعمال ونظم الإبداع، ويليها انتشار وزيادة معدلات البطالة بنسبة 57. 4%،
وعلى الرغم من عدم وجود أرقام دقيقة عن حجم الصناعة المصرية، ولكن طبقًا لما أكده الخبراء، فإن عدد المصانع المصرية المسجلة والمرخصة يقدر بنحو 45 ألف مصنع، فى حين أن إجمالى الاستثمار فى الصناعة يتخطى 300 مليار جنيه، 22% منهم صناعات غزل ونسيج وملابس جاهزة، و21% صناعات غذائية، و20% صناعات هندسية وإلكترونية والباقى صناعات متنوعة.
الخطير فى الأمر أن عدد مصانع المواد الغذائية غير المسجلة، يضاعف عدد المصانع المسجلة طبقًا لما أكده الخبراء، ويبلغ حجم إنتاج المصانع المخالفة نحو 80٪ من الاغذية المطروحة فى الأسواق، فى حين تنتج المصانع المرخصة نحو 20٪ فقط،، ويصل حجم خسائر الدولة من منتجات بير السلم للصناعات الغذائية وحدها بما يقدر بنحو 100 مليون جنيه سنويا، كما قدر حجم مصانع بير السلم بـ47 ألف مصنع بدون سجلات صناعية، يعمل بها ما لا يقل عن 8 ملايين مواطن.
اكدت دراسة صادرة عن لجنة الضرائب والجمارك باتحاد الصناعات المصرية، أن حجم تعاملات السوق السنوية تزيد على 400 مليار دولار، اى أكثر من 7 تريليونات جنيه، نصيب السوق الموازية منها يزيد على 60% بنحو 4 تريليونات، ويعد الاقتصاد الموازى أحد أبرز الظواهر التى تؤرق مجتمع الأعمال فى القطاع الرسمى، نظرًا لأن التعاملات المالية لهذا القطاع تتسع بشكل غير مسبوق وتسحب البساط تدريجيًا من تحت أقدام المشروعات الرسمية، وأعدت الدراسة عدة مقترحات لمواجهة ظاهرة الاقتصاد الموازى، تتمثل فى إنشاء مجلس أعلى للضرائب، وتحويل مصلحة الضرائب لهيئة عامة، فضلا عن تعديل قانون القيمة المضافة وتوحيد سعر الضريبة، وإقرار قانون محاسبة المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، بالإضافة إلى اعتماد كامل مصروفات الممول المؤيدة بفواتير ضريبية، مما يساعد فى حصر المجتمع الضريبى، وإعادة تفعيل شعبة الحصر لتسجيل جميع المنشآت الصناعية والخدمية، وبذلك نتخلص من ظاهرة وجود سعرين لسلعة واحدة.
جهود كبيرة يبذلها المسئولون لضبط المخالفين حرصًا على سلامة المواطنين، بعد أن انتشرت مصانع بير السلم التى تنتج منتجات غير مطابقة للمواصفات والاشتراطات الصحية، فقد غزت الأسواق منتجات عديدة مجهولة المصدر، وأخرى منتهية الصلاحية، واستغل معدومو الضمير غياب الرقابة الجادة فى الأسواق وقاموا بإنتاج كل ما يلزم البيت من احتياجات دون مراعاة لمعايير الجودة، فانتشرت الأمراض والأوبئة وأصيب الأطفال بالنزلات المعوية، فى الوقت الذى اكتفى فيه أصحاب مصانع بير السلم بجنى الأرباح على حساب صحة البسطاء، ففى نوفمبر الماضى من العام 2019 تمكن مفتشو الأغذية بمديرية الصحة بالشرقية من ضبط، مصنع مشروبات غازية مخالفة للاشتراطات الصحية، ووجود مياه طفح راكدة فى أركانه، ومعمل مخالف، وأعدمت الحملة 90 كيلو هوالك إنتاج ومواد تعبئة منتهية الصلاحية، كما تم ضبط عدد كبير من مصانع الأدوية غير المرخصة خلال الفترة الأخيرة حيث تم ضبط 10 مصانع أدوية تحت بير السلم خلال 6 أشهر فقط فى محافظات مختلفة منها الدقهلية والقليوبية والإسكندرية والمنيا، وضبط 11 ألفًا و500 منشأة غير مرخصة تعمل فى مجال صناعة المنتجات الغذائية خلال الفترة من يناير حتى أغسطس 2019.
بيئة خصبة
وفقًا للبيانات المتاحة حول تلك المصانع، يتركز اغلبها في محافظات القليوبية والجيزة، وقد خلقت لنفسها اسواق في الصعيد لتستقر مؤخرًا في كافة الاسواق بجميع المحافظات ونظرًا لتدني سعرها شهدت اقبال من بعض الفئات.
منطقتا العتبة والموسكى تعتبران من المناطق التى تنتشر فيها أغذية بير السلم فى الأسواق بتقليد ماركات عالمية خاصة فى مجال السلع الغذائية كبعض أنواع البسكويت والشوكولاتة واللبن البودرة والحلويات وعبوات الجبنة المثلثة واللانشون ومصنعات اللحوم والرنجة وزيوت الطعام ويحتشد باعة هذه البضائع مجهولة المصدر بالفرش على الأرصفة, وعلى السيارات التى تحظي بقبول شديد من المواطنين لرخص أسعارها فى ظل غياب الرقابة وجشع معدومى الضمير.
اضرار صحية
ينتج عن صناعات بير السلم منتجات سامة، وفقًا لما يؤكده متخصصين بهذا الشأن مما ينتج عنه امراض تليف الكبد وأمراض الفشل الكلى، فنسب التسمم فى مصر لا تقل عن 750 ألف حاله تسمم فى العام، 50% منهم تسمم مائى وغذائى، وهذا يكلف الدولة ما لا يقل عن 30 مليار جنيه على الاقل للعلاج، وهناك حالات تسمم لا يتم تسجيلها فى المستشفيات لكونها تندرج تحت اسم “النزلات المعوية”، ويرى الخبراء أن الخطورة الأكبر تكون على المجموعات الهشة، كالحوامل والأجنة والأطفال وكبار السن، لذا يجب أن يتم تسجيل المنشآت الصناعية لتكون تحت أعين الأجهزة الرقابية من أجل الحفاظ على صحه المواطنين.
الحل
بحثت الحكومة سلسلة من الاجراءات لدمج الاقتصاد الغير رسمي وذلك حتى تكون تلك المصانع تحت رقابة الاجهزة الرقابية وتخضع منتجاتها للقياس والجودة، وفي ضوء ما اعلنته الحكومة بخطتها 2020/2021 يمكن حصر ابرز النقاط علي النحو التالي :-
1-منح تيسيرات مالية للتحفيز للانضمام للقطاع الرسمى مثل مبادرة القيادة السياسية بمنح إعفاء ضريبى خمس سنوات لمن ينضم للسوق الرسمية.
2-تيسير إجراءات ممارسة الأعمال من حيث استخراج التراخيص والتسجيل وتصاريح المبانى وتكلفة أداء الأعمال بوجه عام وتوفير أراضى مجانية أو بأسعار رمزية فى المجمعات الصناعية المطروحة.
3-توسيع مظلة التأمينات الاجتماعية لتشمل تغطية العمالة فى القطاع غير الرسمى وتطبيق نظام التأمين الصحى الشامل ليشمل العاملين بهذا القطاع.
4-توفير المساندة الفنية والمالية للمنشآت متناهية الصغر لتحسين كفاءتها الإنتاجية.
5-مراجعة قوانين العمل لإكسابها المرونة الكافية لتشغيل العمالة بالقطاع الرسمى.
6-تنمية الوعى بمزايا الانضمام إلى القطاع الرسمى، من حيث إمكانية التعامل مع القطاع المصرفي والاستفادة من المبادرات المقدمة من القطاع المصرفى والدخول لأسواق التصدير.
فيما اوضح خبراء في قطاعات الصناعات الغذائية، ان الحل الذي يمكن تقديمة من جانب اصحاب المصانع المرخصة والتي تعمل في السوق المصرية ان تخصص جزء من ميزانيتها لتوعية المواطنين بخطورة المنتجات مجهولة الهوية ورخيصة الثمن كنوع من حق المستهلك عليها.