علي هامش الحياة يعيش عمال مصانع بير السلم بين نارين، نيران لقمة العيش التي أجبرتهم علي العمل داخل مصانع غير مرخصة وفي الغالب تقوم بعمل منتجات غير مطابقة للمواصفات بما يضر صحة المواطنين وافراد عائلة ذلك العامل الذين يتناولون تلك المنتجات بشكل أو بأخر، وبين نار المخاطر التي يتعرضون لها يوميًا وفي حالة الوفاة أو العجز لا يحصلون علي تعويض فهم غير مُؤمن عليهم بالأساس وغير معترف بمصانعهم التي يعملون بها من جانب مؤسسات الدولة والتي حاولت الأخيرة تقنين اوضاعهم اكثر من مرة لكن دون فائدة ورغم الامتيازات التي عرضتها الدولة لكن دون فائدة من جانب اصحاب المصانع.
في السطور التالية نلقي الضوء علي معاناة هؤلاء العمال والتي امتدت الي اصابة بعضهم بأمراض مزمنة دفعتهم للجلوس في المنزل طريحين الفراش لم يجد بعضهم قيمة العلاج، ولا يستطيع بعضهم العمل مرة اخري، وذلك بحسب ما ورد بشهادة “احمد.ع” والذي عمل لسنوات طويلة في انتاج واحدة من مأكولات الأطفال في مصنع بمنطقة “باسوس” بالقليوبية وهي المنطقة التي تعتبر حاضنه لصناعات بير السلم علي مستوي الجمهورية.
يقول “احمد” عملت لسنوات حتى تعرضت لإصابة عمل دفعتني الي تركيب شرائح ومسامير ولا استطيع الوقوف مرة اخري لساعات مثلما كان الامر عليه من قبل ورغم المكاسب التي حققتها كعامل طوال السنوات الماضية لكن لم اعمل حساب ليوم مثل هذا، ولم افكر في الاشتراك بالتأمينات الاجتماعية وقد انفقت كل مدخراتي “ذهب زوجتي وعفش منزلي”.
واقعة مشابهة لعامل في العقد الثالث من عمره ويدعي “باسم.ج” عامل بمصنع يقوم بتعبئة “شاي” العروسة، ماركة مزيفة للماركة الاصلية، يقول : في قرية البرادعة حيث نعيش بعض المنازل تحولت الي مصانع صغيرة حيث يقوم رب الاسرة بجلب المعدات والمكونات ونقوم بتصنيع “الشاي” وتقليد العلامة التجارية لدرجة ان بعض المنازل تقوم بأنتاج كيماوي السوبر والخاص بالاراضي الصحراوية واستصلاحها للزراعة عن طريق الاسمنت الاسمر وهي صناعات مزيفة بالكامل.
واضاف، تعرضت لإزمة صحية تطلبت دخولي المستشفى ومن واقع الاشعة والتحاليل تبين اصابتي بسرطان الدم، ومن وقتها قررت الاقلاع نهائيًا عن العمل في مصانع بير السلم وتعهدت أمام الله ان لا اعود لهذا الطريق مرة ثانية.
وحول سبب لجوء العمال للعمل في تلك المصانع، اتفق عدد من الخبراء ان لجوء العمال لمثل هذا العمل في مصانع بير السلم يمثل تهديد مباشر لحياتهم خاصة في ظل غياب المظلة التأمينية “اجتماعيًا وصحيًا” ومع غياب عوامل الامان والصحة والسلامة المهنية يتعرضون بشكل مستمر الي اصابات عمل دون تعويض لكن ذهابهم لتلك المصانع بسبب ارتفاع قيمة اليومية التي يحصل عليها العامل مقارنة بالعامل في المصانع المرخصة والتي تلتزم مع العامل بعدة بنود اقلها صرف تعويض في حالة اصابة العمل واقصاها اخضاعه لمظلة التأمينات والحصول علي الحق في التعيين.
وحول مسألة “جناة ومجني عليهم” يقول الخبراء، ان الدولة وخلال السنوات الماضية تحايلت علي كيانات بير السلم وهنا يتم وصف اي كيان غير مرخص ولم يقنن وضعة بكيان بير سلم، لأنك تعمل خارج القانون الذي حددته الدولة لكن دون جدوي.
وحول الخطوات التي قامت بها الدولة لدمج الكيانات الغير رسمية وعود الدولة بمنحهم اعفاءات ضريبية عن السنوات الماضية، كذلك تسهيل توصيل المرافق بشكل قانوني وتفعيل عدد من القرارات الهامة التي تساعدهم في التصدير.
ويصل عدد المنشآت العاملة في القطاع غير الرسمي (المؤسسات غير المسجلة) إلى مليوني منشأة تقريباً ويعمل بها نحو 4 ملايين عامل، حيث يرتكز التوزيع القطاعى فى 3 قطاعات 45% فى الزراعة و 30% فى الخدمات و25% فى الصناعة، ورغم تأثر هذه الأنشطة بتداعيات فيروس كورونا الجديد، إلا أنه لا يزال صامداً معتمداً على الحركة الشرائية لزبائنه من متوسطي ومحدودي الدخل والفقراء.
ولعل من أبرز المؤشرات التى توضح صمود القطاع غير الرسمي فى هذه الفترة هو مؤشر مدراء المشتريات الرئيسي الخاص، والذى شهد فى مصر انهياراً بنهاية الربع الأول من 2020 ليسجل 44.2 فى شهر مارس مقابل 46 نقطة فى يناير الماضى وهو أدنى مستوى في 34 شهرياً، حيث أن انخفاض المؤشر عن مستوى 50 نقطة يشير إلى أن الاقتصاد فى ثمة انكماشاً.
فالأنشطة الاقتصادية غير الرسمية ساهمت في توليد دخول لقطاعات كبيرة من المصريين مع التباطؤ الاقتصادي الكبير الذي شهدته فى يناير 2011، حيث انضم له منذ 2008 وحتى 2011 حوالى 1.5 مليون عامل جدد، ولم يكن هذا بالأمر الجديد إذ أن الأنشطة غير المنظمة قانونا قد استحوذت على الجزء الأكبر من الوظائف في مصر في العقدين السابقين، إذ أن أكثر من ٦٠٪ من الوظائف التي تم خلقها في الفترة ما بين ٢٠٠٦ و٢٠08 كانت ضمن أنشطة الاقتصاد غير الرسمي طبقا لتقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي حول مصر والصادر في ٢٠١٢.