سلطت دراسة حديثة الضوء على التعليم الفنى فى مصر مؤكدة أن العقود السابقة شهدت وجود فجوة كبيرة بين التعليم وسوق العمل، وسردت أن من بين الأسباب التى أدت إلى ذلك عدم إشراك المتخصصين فى الزراعة والصناعة والتجارة والتكنولوجيا فى صياغة أهداف ونواتج التعليم الفنى، فظل لسنوات طويلة يعكس الجوانب النظرية دون العملية، ولم يمتلك خريجو التعليم الفنى فى معظم تخصصاته المهارات التى تمكنهم من مواكبة سوق العمل، مما اتبعه فى الغالب صعوبة توفير الأيدى العاملة ذات المهارة والدراية بطبيعة الأعمال ومستحدثاتها على مختلف أنواعها، وبالتالى أثر ذلك سلبًا على إمكانية توطن بعض الصناعات والأنشطة الاقتصادية، واتجه خريجو هذا النظام إلى ممارسة الأعمال الحرفية البسيطة المعتادة، سواء داخل أو خارج مصر، ويعد ذلك إهدارًا للموارد البشرية المصرية.
وذكرت الدراسة التى أعدها الدكتور أحمد سيد داود أن وزارة التربية والتعليم تتجه إلى ضرورة تطوير التعليم الفنى بما يلبى متطلبات سوق العمل من خلال اكتساب خريج التعليم الفنى المهارات اللازمة التى تؤهله لذلك من خلال تطبيق نظام الجدارات فى مختلف أنواع التعليم الفنى الزراعى والصناعى والتجارى وغيره. والجدارة هى التطبيق الواضح للمهارات والمعارف والاتجاهات المطلوبة للعمل فى مجال محدد أو وظيفة أو مهنة وفقًا لمعايير محددة.
ولفتت الدراسة إلى نظام الجدارات، الذى تسعى الدولة لتعميمه على جميع مدراس التعليم الفنى بنهاية عام 2022، إلى تقديم المعارف والمهارات والقيم الوظيفية بطريقة أكثر اتصالًا بسوق العمل، حيث يشارك المختصون بالأنشطة الاقتصادية والخدمية فى تحديد متطلبات سوق العمل التى يجب أن يمتلكها خريج التعليم الفنى من خلال أخذ آرائهم فى المناهج والمقررات والاستفادة من خبراتهم الواقعية فى تخصصاتهم المختلفة لصياغة برامج التعليم الفنى والجوانب اللوجستية لتنفيذ تلك البرامج، وكذلك الاستعانة بهم فى عملية الإشراف والتقويم لمستوى تحقيق طلاب التعليم الفنى للجدارات اللازمة لسوق العمل.
لفتت الدراسة إلى أن وزارة التربية والتعليم والتعليم الفنى بدأت فى تطبيق نظام الجدارات على عدد 105 مدارس ووصل العدد إلى 400 مدرسة بنهاية عام 2021، ومن المستهدف أن يتم تطبيق هذا النظام على 1200 مدرسة بنهاية عام 2022، ومن المقرر أن يتخرج من نظام الجدارات هذا العام قرابة 23 ألف طالب وطالبة كأول دفعة دراسية من نظام الجدارات بالتعليم الفنى ووفقًا لنظام الجدارات يدرس طلاب التعليم الفنى خلال السنوات الثلاث مقرراتهم الدراسية فى صورة مجموعة من الوحدات المنفصلة كل عام مقسمة على فصلين دراسيين، حيث يدرس الطلاب المواد الثقافية (جدارات أساسية) وتعد كل مادة وحدة بذاتها إضافة إلى مواد التخصصات (جدارات فنية) عبارة عن برامج تتضمن وحدات منفصلة محددة.
وأوضحت الدراسة أن آليات التقييم لنظام الجدارات تختلف عن النظام التقليدى، حيث يشتمل التقييم وفقًا لنظام الجدارات على ثلاثة أنواع من التقييم هي: التقييم المعرفى، والتقييم المهارى، وملف إنجاز الطلاب، تسهم بشكل أساسى فى تحديد مستوى جدارة الطالب وتترجم إلى درجات للتمييز فى مستوى إتقان الجدارات، ففى التقييم المعرفى يتم اختبار الطلاب فيما تم دراسته، سواء فى المواد الثقافية (الجدارات الأساسية) والوحدات التخصصية (الجدارات الفنية) بشكل نظرى وفقًا لنظام البوكلت، ويسمح للطالب أن يدخل دور الانعقاد الثانى إذا لم يحصل على الدرجة النهائية الصغرى لاجتياز المادة. وفى التقييم المهاري: يخضع الطالب لاختبار مهارى، حيث يطلب منه أداء مهام مهارية ضمن الوحدات التى قام بدراستها بمنهج الجدارات، ويتم ملاحظة الطالب باستخدام بطاقات ملاحظة من قبل ثلاثة مُقيمين لمستوى جدارة الطالب، ثم يتم تجميع الدرجات التى وضعها المُقيمون وحساب متوسط الدرجة التى حصل عليها الطالب.
وذكرت الدراسة أن تمكين طلاب التعليم الفنى واكتسابهم الجدارات اللازمة لسوق العمل هو الهدف الأساسى لنظام الجدارات؛ لذلك تم وضع نظام لضمان جدارة خريج التعليم الفنى وإتاحة أكثر من فرصة للطلاب لتحقيق ذلك، حيث يكلف الطالب بتأدية تكليف معين فى التقييم المهارى للجدارات فى حال فشل الطالب للمرة الأولى فى تأدية التكليف العملى المطلوب منه تكون له فرصة أخرى خلال أسبوع، وفى حال فشله للمرة الثانية فى تأدية التكليف يخضع الطالب لحضور برنامج علاجى لمدة أسبوعين برسوم مقررة يتم دفعها إلكترونيًا، وفى حالة فشلة للمرة الثالثة يحق له دخول دور الانعقاد الثانى للجدارات التى لم يحققها، ووفقًا لمستويات تصنيف الجدارة ينقسم الطلاب إلى:طالب جدير (أتم دراسة الجدارات والاختبارات بنجاح)، وطالب غير متقن للجدارة (ويحق له دخول الدور الثانى بعد البرنامج العلاجي)، وطالب غير جدير (عند عدم اجتيازه لأكثر من وحدتين من الجدارات المقررة – أو تغيب عن الحضور لأكثر من وحدتين من الوحدات المقررة).
وفقا للدراسة يحصل طلاب التعليم الفنى وفقًا لنظام الجدارات على شهادتين، الأولى هى شهادة الدبلوم فى التعليم الفنى، والشهادة الأخرى هى شهادة تخصصية تشتمل جميع الجدارات التى أتمها الطالب وفقًا لتخصصه الفنى، وتوضح تلك الشهادة لأصحاب العمل المهارات والجدارات التى يمتلكها الخريج عند التقدم للعمل.
وأشارت الدراسة إلى أن نظام الجدارات له العديد من المزايا، منها: التنوع فى البرامج والجدارات التى تتضمنها الوحدات فى مختلف مدراس التعليم الفنى، وتتسم تلك البرامج بارتباطها الشديد بواقع المجتمع المصرى واحتياجاته فى الأنشطة الاقتصادية الزراعية والعمليات المرتبطة بها، وكذلك الصناعة وتكنولوجيا التصنيع المختلفة والتجارة وغيرها من الأنشطة، ويتسم نظام الجدارات بفصل التدريس عن التقويم كعمليات وليس كمضمون، حيث إن لجان التقييم تكون منتدبه من الخارج فى اختبار الجدارات الفنية، وبذلك يتم التحقق من امتلاك الطلاب للجدارات بشكل حيادى وبما يعكس جودة تطبيق برامج ووحدات الجدارات داخل مدارس التعليم الفنى، كما أنه نظام عصرى يتابع عن كثب مستحدثات الأنشطة الاقتصادية بميادين العمل لأنه يشتمل على أنشطة تدريبية خارجية وزيارات ميدانية للطلاب بالمصانع والورش والمعامل وغيرها، ويقضى هذا النظام على مفهوم التعلم التنافسى لأن نتيجة الطالب تحدد وفقًا لمستوى إنجازه الشخصى، كما أن الاختبارات تتم على مستوى المدرسة وليس على مستوى مدارس الدولة كما كان يتم فى النظام القديم، ويوفر أيضا نظام الجدارات الفرصة الكاملة لخريجيه للالتحاق بالعمل من خلال شهادة جداراته المختلفة ويوفر لهم الفرصة لمواصلة التعلم والالتحاق بالجامعات.
واستطردت الدراسة :”لعل متطلبات المجتمع تعد هى المحرك الأول لوضع النظم التى يرتضيها المجتمع لتحقيق أهدافه، وتعد الجدارات كنظام للتعليم الفنى استجابة طبيعية لحاجة المجتمع، فلقد كان المجتمع بحاجة إلى برامج التعليم الزراعى مثل برنامج (فنى هندسة زراعية، فنى ثروة سمكية وأحياء مائية، فنى زراعة نخيل التمر وتصنيع المنتجات، فنى الزراعة الصحراوية، فنى استخلاص الزيوت النباتية، فنى إنتاج الألبان وتصنيعها، فنى تسمين حيوانات اللحوم والدجاج) وكذلك برامج التعليم الصناعى الذى يشتمل (فنى ديزل ومعدات ثقيلة، فنى محركات بحرية، فنى تشغيل محطات مياه الشرب والصرف الصحى ومعالجتها، فنى الحاسبات IT، فنى اتصالات… وغيره) والتعليم التجارى (فنى تسويق وتجارة إلكترونية، فنى كاتب حسابات، فنى تأمينات، سكرتارية، مدخل بيانات، مساعد إداري… وغيره) والتعليم الفنى الفندقى ويشمل برامج (طاهى – مشرف غرف – مضيف) وغيرها من البرامج فى مدارس التعليم الفنى الأخرى“.
وشددت الدراسة أنه ينبغى أن تعمل الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدنى على استغلال الموارد البشرية المتميزة التى ستتخرج من هذا النظام؛ وينبغى أن تعمل الدولة بشكل جاد على تحديد الاحتياجات من الموارد البشرية والتخصصات المختلفة فى كافة المجالات بشكل دقيق، وإعلان ذلك بصورة واضحة لما له من فعالية فى توجه الطلاب بالتعليم الفنى نحو التخصص فى برامج وجدارات لها مستقبل مهنى، ففى ظل النمو الاقتصادى الذى تشهده الدولة بما تقوم به من أنشطة اقتصادية فى مختلف المجالات يجب الاستعانة بخريجى التعليم الفنى الزراعى والصناعى فى مشروعات الصوب الزراعية والمشاريع المتعلقة بها والمزارع السمكية وكذلك باقى المشروعات القومية العملاقة التى تتطلب نمطًا جديدًا من الأيدى العاملة له من الجدارات مما يحقق آمال الدولة فى البناء والتعمير والتقدم. وينبغى على الدولة أيضًا ألا تترك هذا المورد البشرى الجدير لأن يتخلى عما اكتسبه وحققه من جدارات ويتجه للأعمال التقليدية البسيطة، حيث يمكن للدولة أن تدعم الراغبين من خريجى الجدارات بالتعليم الفنى فى تنفيذ مشروعات تخصصية مشتركة مع الدولة أو صناديق دعم الاستثمار، أو توفير قروض ميسرة لتنفيذ مشروعات خاصة فى ضوء الجدارات، كما ينبغى على القطاع الخاص أن يستغل طاقات خريجى نظام الجدارات بتوفير فرص عمل بظروف جيدة، والتوسع فى الاستثمار فى ضوء ما سيجنيه من جودة فى الإنتاج والتزام بالقواعد المهنية، كما ينبغى على المجتمع المدنى أن يُعلى من شأن خريجى الجدارات ويغير النظرة المجتمعية لخريجى التعليم الفنى، ففى جميع الدول المتقدمة فإن أرباب الياقات الزرقاء هم عماد التنمية والتقدم والازدهار.